عبد الله الدامون
كانت الفكرة منطقية، وهي أن يتظاهر الناس سلميا في المدن المغربية، وأن يرددوا المطالب التي يشاؤون، وأن تصل رسائل ذلك إلى من يهمهم الأمر، ويعمل الجميع على إصلاح ما يمكن إصلاحه.
لكن أشياء كثيرة جرت، جعلت الناس يخافون حتى من مطالب الإصلاح. فالمئات من الناس، ممن تنعدم فيهم أحاسيس المسؤولية، حولوا تلك التظاهرات الحضارية إلى أعمال شغب لا توصف، واستفحل ذلك مع غياب نسبي للأمن، وقال الناس إننا لا نريد إصلاحا ولا أي شيء، نريد الأمان أولا.
فكرة مسيرات 20 فبراير حولها البعض إلى تخريب، بينما كانت عدة مسيرات في صباح يوم الأحد ترفع شعارا نبيلا يقول «نعم للتغيير.. لا للتخريب». والغريب أن الأغلبية كانت تتظاهر حضاريا وبشكل لائق جدا، قبل أن تستغل ذلك مجموعات جعلت من أملاك المواطنين هدفا سهلا، وأحرقت سيارات ودمرت متاجر وممتلكات خصوصية وعمومية. الناس يملكون التغيير والإصلاح في أيديهم وعقولهم وليس في إشعال النيران في الممتلكات العامة والخاصة. ويبدو أن الآلاف من المغاربة الذين خرجوا للتظاهر سلميا صباح الأحد، أحسوا بغصة في الحلق وهم يرون ما حدث بعد ذلك في مدن مغربية.
الهيئات السياسية والجمعيات التي دعت إلى هذه التظاهرات ربما لم يكن يدور في خلدها أن الأمور ستفلت من السيطرة، مثلما حدث في العرائش وطنجة، ففي صباح يوم الأحد رفع الناس شعارات تطالب بالإصلاح ونددوا بالرشوة والزبونية ونهب الثروات. هتافات أولئك الناس وصلت حتى من دون أن يعمد آخرون إلى إشعال النيران في ممتلكات مغاربة آخرين، هم مثلهم تماما. فالذين تركوا سياراتهم مركونة في الشارع ووجدوها متفحمة أو مقلوبة، هم مغاربة بسطاء مثل غيرهم، وإذا كانت للفاعلين مشكلة مع الدولة، فما ذنب المواطنين الآخرين؟
هناك ثقافة في المغرب يجب أن تترسخ، وهي ثقافة الاحتجاج الحضاري والسلمي، وفي حال استمرار ما جرى في مدن مغربية فإن الناس يفضلون البقاء على وضعهم القديم عوض التظاهر من أجل إصلاحات.
لكن هناك أسئلة يطرحها الناس، وهي أن السلطات بقدر ما تركت الناس يعبرون عن آرائهم في المظاهرات دون تدخل، كان ينبغي أن تمنع البعض من العبث بممتلكات الناس وأرزاقهم وأمنهم.
ما جرى على هامش تظاهرات أول أمس الأحد أفقد أنصار الإصلاح الكثير من المتعاطفين، وهذا ما يصب أساسا في جيوب أعداء الإصلاح، لذلك يبدو أن الوقت الآن هو وقت العقلاء، وقت الأحزاب التي طالما طبلت وزمرت بقوتها وتأثيرها على الناس، هذا وقتها لكي تتدخل وتؤطر أتباعها والمتعاطفين معها، إنه أيضا دور علماء الدين والأدباء والكتاب وغيرهم. يجب أن تكون هناك رسالة واضحة للجميع، وهي أن دعوات الإصلاح لا علاقة لها بتاتا بدعوات التخريب.
هناك 30 مليون مغربي اليوم يدعون إلى أشياء منطقية ومسايرة لعصر يجعل الكرامة الإنسانية أهم من أي شيء آخر، وعلى العقلاء اليوم أن يرفعوا شعارا واحدا يقول «من يخرب ليس منا».. فالتخريب أعز ما يطلبه أعداء الإصلاح.
عمود “صباح الخير” – من جريدة المساء