مع مطلع العام 2025، يتواصل فرض القيود الإسبانية الصارمة على تنقل المغاربة إلى مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، مما يرسخ واقعًا يعكس الطابع الاستعماري للوضع في المدينتين ويعمق الأزمة الإنسانية والاجتماعية لسكان المناطق المتاخمة.
وتستهدف هذه التدابير، التي أصبحت سياسة ممنهجة منذ إعادة فتح المنافذ البرية عقب جائحة كورونا، قطع الروابط التاريخية والجغرافية بين المدينتين ومحيطهما المغربي الطبيعي، حيث لم يعد العبور مقتصرًا على جوازات السفر كما كان سابقًا، بل بات مشروطًا بالحصول على تأشيرات خاصة تزيد من تعقيد المشهد.
وترخي هذه السياسات بتداعيات متعددة المستويات، وتبدو آثارها أكثر وضوحًا في الأضرار الاقتصادية والاجتماعية التي لحقت بسكان تطوان والنواحي وكذا على سكان الناظور وضواحيها.
ولعقود طويلة، شكلت سبتة ومليلية مصدر رزق رئيسي لآلاف الأسر المغربية التي اعتمدت على التجارة المعيشية والعمل اليومي في قطاعات حيوية كالخدمات والمطاعم والفندقة داخل المدينتين.
لكن القيود الجديدة أدت إلى توقف هذه الأنشطة بشكل شبه كامل، ما تسبب في ارتفاع معدلات البطالة وخلق أزمة معيشية خانقة لدى الأسر التي لم تجد بدائل اقتصادية كافية.
ولا تقل الأبعاد الاجتماعية للأزمة أهمية، حيث أدت الإجراءات الإسبانية إلى تقويض الروابط العائلية والاجتماعية بين سكان المنطقة والمدينتين، حيث تحول التنقل الذي كان يتيح الحفاظ على العلاقات العائلية والتفاعل الاجتماعي إلى إجراء معقد يفرض قيودًا على الحركة ويكرس الانعزال.
ويتماشى هذا الفصل القسري مع سياسات تهدف إلى إعادة صياغة واقع المدينتين بعيدًا عن محيطهما المغربي، في محاولة لتثبيت وضع استعماري يعكس تناقضًا صارخًا مع مبادئ حسن الجوار والتعاون الإقليمي.
وعلى الرغم من تصريحات سابقة لوزارة الخارجية الإسبانية حول دراسة إمكانية التخفيف من هذه القيود، فإن استمرار الوضع على حاله يعكس غياب إرادة سياسية لمعالجة هذا الملف بجدية.
وعلى العكس، تشير السياسات الراهنة إلى سعي ممنهج لعزل المدينتين عن محيطهما الجغرافي والديمغرافي، مما يعمق الأزمة ويحولها إلى وضع دائم يهدد الاستقرار في المنطقة.
وإزاء هذا الواقع، يبرز الدور المغربي في البحث عن حلول استراتيجية تعزز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المناطق المعنية، مما يحد من اعتماد السكان على الأنشطة المرتبطة بالمدينتين. الاستثمار في البنية التحتية وخلق بدائل اقتصادية مستدامة يشكلان ضرورة ملحة لمواجهة التداعيات الإنسانية والاجتماعية لهذه القيود.
وفي الوقت ذاته، يظل هذا الملف اختبارًا حقيقيًا للعلاقات المغربية الإسبانية، وفرصة لإثبات احترام مبادئ حسن الجوار، بعيدًا عن السياسات التي تكرس واقعًا استعماريًا غير مقبول في سياق العصر الحديث.