رغم أن مشروع “التشوير الذكي” في طنجة لم يكتمل بعد، إلا أن تأثيره بدأ ينسج خيوطه في تفاصيل المشهد المروري اليومي، محاولًا تطويع مدينة اعتادت على فوضى السيارات وضجيج المنبهات إلى إيقاع أكثر انضباطًا.
وباتت الكاميرات الذكية التي ترصد الشوارع من زواياها العالية، والإشارات الضوئية التي تتحكم في تدفق المركبات وفقًا لمنطق رقمي صارم، تشكلان ملامح تجربة جديدة، تُعيد رسم العلاقة بين السائقين والطريق.
في قلب هذه التجربة، يجري تركيب 533 كاميرا ذكية في نقاط تُعرف بازدحامها الشديد وتكرار الحوادث فيها.
عند مدار مسنانة، حيث اعتاد الكثير من السائقين خوض سباق محموم لا تعترف فيه المركبات بحق الأسبقية، بدأت وتيرة الحركة تهدأ.
فلم يعد الضوء الأحمر مجرد توصية يمكن تجاهلها، بل تحوّل إلى أمر نافذ، مدعوم بعيون إلكترونية لا تغفل شيئًا.
وعلى مستوى مدار تريال أطلس، حيث كانت المسافات بين السيارات تضيق حتى يكاد الحديد يحتك بالحديد، بدا أن سائقي المدينة استوعبوا رسالة النظام الجديد، فأصبح الالتزام بمسافة الأمان أكثر وضوحًا.
أما ساحة الجامعة العربية، التي طالما كانت ساحة للفوضى قبل أن تكون ساحة فعلية، فقد بدأت تتخلى شيئًا فشيئًا عن فوضويتها. فالضجيج الذي كان يرتفع مع كل لحظة غضب خلف المقود، بدأ يخفت.
السيارات التي كانت تتدافع بلا اكتراث، وجدت نفسها فجأة محكومة بإيقاع جديد، أكثر هدوءًا، وأكثر انضباطًا.
وتعكس هذه التغيرات الأولية محاولات مشروع “التشوير الذكي” في ضبط إيقاع المدينة، حيث الكاميرات التي تراقب كل حركة، والإشارات التي تستجيب لحركة المرور في الوقت الفعلي، ليست مجرد أدوات تقنية، بل هي عوامل تُعيد تشكيل العادات المرورية، وإن كان ذلك ببطء.
وتلخص المديرية العامة للامن الوطني، من خلال نشراتها الاسبوعية، أسباب حوادث السير التي تخلف عشرات القتلى وآلاف المعطوببن، في عدم انتباه السائقين، وعدم احترام حق الأسبقية، وعدم انتباه الراجلين، والسرعة المفرطة، وعدم ترك مسافة الأمان، وعدم التحكم، وعدم احترام الوقوف المفروض بعلامة قف، وتغيير الاتجاه بدون إشارة، والتجاوز المعيب، والسير في الاتجاه الممنوع، والسياقة في حالة سكر، والسير في يسار الطريق، وعدم احترام الوقوف المفروض بضوء التشوير الأحمر، وتغيير الاتجاه غير المسموح به.
وفي مدينة اعتادت على مقاومة التغيير، لا يزال البعض متشككًا في مدى تأثير هذه الأنظمة على المدى الطويل.
لكن هناك من يرى أن الأمر مجرد مسألة وقت، فالتكنولوجيا أثبتت قدرتها على تهذيب الفوضى في مدن أخرى، ولماذا تكون طنجة استثناءً؟
ومع استمرار توسيع نطاق المشروع ليشمل المزيد من الشوارع والمداخل الحيوية، فإن المشهد الجديد للمدينة قد لا يكون مجرد تجربة عابرة، بل بداية لطنجة أكثر هدوءًا، وأكثر اتساقًا مع إيقاع المدن الحديثة، حيث لا مجال لفوضى الأمس في شوارع المستقبل.