كراشي بوشتى – طنجة 24
قليلون هم الذين يعرفون تاريخ بناء هذه المعلمة المهمة وكرونولوجيا الأحداث التي مرت بها وأزمنة إزدهارها وإنحدارها ومتى برزت وكيف أهملة … ورغم أن الكتابة في هذا الموضوع بالعربية شبه منعدمة )اللهم بعض المقالات اليتيمة هنا وهناك(، وباللغة الإسبانية منحسرة في مراجع ووثائق قديمة، فإننا سنحاول قدر جهدنا وإجتهادنا وضع القارئ الكريم في سياقات صورة هذه المعلمة من بداية ظهورها إلى اليوم. لا أنكر أن الباعث الوحيد والمحفز الأوحد لكتابة هذا المقال هو نذرة ماخط حول هذه المعلمة التي لها في نفوس الطنجاويين ومخيلاتهم ما لها من أثار وذكريات عميقة.
1- بداية ظهور معلمة:
على مساحة أرضية تقدر بـ 21.540 متر مربع وبميزانية تصل إلى 72.120 يورو بدأ العمل على ساحة الثيران بطنجة سنة (1949م) وقد كلف بتصميم المشروع المهندس المعماري (فرانسيسكو ألفاريز لوبيز رودريغيز) أما البناية الرئيسية فقد كانت بسعة 9000 إلى 13.013 مقعد إلى جانب ذلك ثم إنشاء إسطبلات ومرعى ومحلات تجارية ومصلى وأمكنة للجراحة والتمريض… وبنية كل هذه المرافق موازات مع الساحة وذلك في وقت قياسي لم يتعدى أربعة عشرشهرا. وقد ساهم في بنائها “مولاي أحمد الريسوني” حاكم مدينة طنجة وإبنه. وفي 27 أغسطس سنة (1950م) ثم إكمال بناء ” البلازا دي توروس” وإفتتاحها وقد كان هذا حدثا عظيما إستقطب حشود إعلامية كبيرة وكثيفة وشد إليه الأنضار من كل الأقطار والأمصار، لقد كان بتعبير أحد من عاصر فترة ولادة هذه المعلمة يوما مميزا في تاريخ مدينة طنجة وفي نفوس ساكنتها أيضا .
وقد عرفت فترة ما بين (1950م – 1956م) أزهى حقبة عاشتها هذه الساحة على الإطلاق، فقد زارها أشهر مصارعي الثيران في إسبانيا وأتحفوا جمهورها بعروضهم المميزة ومبارزاتهم الشجاعة أمام الثيران الهائجة التي تركض وتناور في هستيرية تامة تلهب حماسة الجمهور وتذكيها، فيملأ صراخه وتهز هتافاته الساحة لتزيد بذلك الجو روعة وإشتعالا، ووفقا لمسؤولي المالية وقتها فمصارعة الثيران حققة للمدينة مكاسب مالية )غير متوقعة( وشهرة وصيت في الخارج. لكن من سنة (1957م إلى 1970م) وبعد أن قاطعة الدولة المغربية المعرض وأنشطته عرفت حركته إضطرابا وتراجعا إنعكس سلبا على مردوده لتشل بعد ذلك الساحة وتظل فارغة دون حياة وليسدل الستار على أيام هي أروع ما كان في حياة هذه المعلمة .
2- الفئران تحل محل الثيران :
بعد أن كانت عربدة الثيران وعجرفتها تملأ المكان صياحا وتشعل المدرجات حماسا تزيده جنونا حركات ” الماتادور” وهو يدور ويلف حول الثور الهائج مرة ويشاكسه ويستفزه مرات، خيم الصمت الرهيب المطبق على أرجائها لتصبح مجرد بناية باردة ومهملة بلا حراك، ولتحل الفئران محل الثيران، وتتقاسم المكان مع القطط المتشردة والكلاب الضالة و” شماكرية المنطقة والنواحي”، وأصناف أخرى من مرتادي الأماكن الخالية ومهوسيي الأطلال البالية ممن ينشدون سرقة بعض اللحظات الرومنسية بعيدا عن أعين الفضوليين .
3- أحداث مأساوية:
وفي سنة (1974م) باع ” مولاي أحمد الريسوني ” النسبة المتبقية من أسهم الساحة للسيد: “علي العمرتي”، هذا الأخير وبعد أن أكملت صفقة البيع هم بتدمير المعلمة بغرض الحصول على الحديد الذي بنية به والكامن داخل أسوارها، لكن تدخل السلطات وبعض الأطراف الأخرى منعت هذه الجريمة، وقد تم تسوية الأمر بشكل ما ونجت المنشأة بقدرة قادر من بطش من لا يرى في المعالم التاريخية إلا منافعه ومصالحه فأمثال هؤلاء لا يرون بأسا في دك أي إرث للمدينة لأنهم لا يرون فيه فقط إلا بنايات قديمة ومهجورة لا مانع في تدميرها والإستفادة من مساحتها المغرية. وفي سنة (1980م – 1981م) أي في أعقاب الفيضانات الكبيرة التي ضربت المدينة أنذاك تقرر تثبيت الأسر المتضررة في أطلال ” البلازا دي توروس ” وكأنه لا مكان لإيواء المنكوبيين إلا هذا المكان، ولم يقف الأمر بالسلطات عند هذا الحد بل تعداه ليصخر في أشياء أخرى منها مثلا- للتعداد فقط لا للحصر- إستغلاله كمركز لإحتجاز المهاجرين في فترات متقطعة ما بين سنتي (1992م – 1993م) وكمركز للعروض والحفلات والمسرحيات المدرسية وبعض الأنشطة الترفيهية الأخرى. كما صخر في أكثر من مناسبة للإعتقال والإحتجاز…واحتل في فترات متعددة – خصوصا عند الزيارات الملكية – من طرف قوات الأمن والقوات المساعدة …يتبع