أصبح التكوين المستمر، أو التكوين خلال العمل، يفرض نفسه باعتباره إحدى الوسائل الرئيسية لتأمين المسار المهني وتمهيد الطريق لاكتساب معارف جديدة، وبالتالي تلبية التطلعات الشخصية.
في عالم يتغير باستمرار، وفي ظل حركية متواصلة لسوق الشغل، فقد بات بناء مسار مهني على قاعدة الدبلوم مدى الحياة منطقا متجاوزا، لأن المتطلبات الحالية تقوم على التأهيل المتواصل والمتطور لمؤهلات صارت أكثر دقة.
في الواقع، يبرز التكوين المستمر كموضوع حاسم في الحياة المهنية، سواء لزيادة حظوظ الترقي الداخلي، أو إحداث تغيير في مجال النشاط، أو بكل بساطة من أجل تحسين مهارات الفرد، من أجل تجاوز حالة البطالة الجزئية التي قد تكون مرتبطة بطبيعة العمل أو أشكال أخرى من العمل التي لا تلائم المؤهلات.
وبحسب بيانات المندوبية السامية للتخطيط، فقد سجلت جهة طنجة-تطوان-الحسيمة سنة 2020 نسبة بطالة جزئية بلغت 11,3% مقابل 10,7% على المستوى الوطني.
بهذا الخصوص، أكد الخبير في التكوين المستمر والمستشار في التنمية البشرية، محسن هيشي، أن التكوين المستمر يضيف قيمة لا يمكن إنكارها من حيث تطوير المهارات الشخصية والمهنية، مما يتيح اكتساب معرفة مفيدة سواء في الشغل الحالي أو أي مهنة مستقبلية.
وقال محسن هيشي، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن “التعلم هو وسيلة تساهم في تحيين المعارف الأكاديمية والمهنية، وبالتالي تطلق شرارة تطور من خلال تحسين المهارات المكتسبة، ولا سيما المهارات الناعمة (الشخصية) أو المهارات الصلبة (التخصصية)، واللتين تعتبران عنصرين أساسيين لتطوير الكفاءات على المدى الطويل”.
وشدد أيضا على أن بعض الوظائف في الشركات تتطلب شهادات محددة للغاية، تعتبر علامة على الخبرة والمهارة، لاسيما في قطاعات من قبيل الصناعة.
ومع ذلك، لمواجهة تحدي التأهيل وتلبية احتياجات الشركات، تم وضع برامج لدعم التكوين المستمر من قبيل “إدماج” و”تأهيل” و”إنماء”. وهي تهدف لتعديل كفاءات العاملين ما يتناسب مع خصوصيات المناصب التي سيتم شغلها، والنهوض بتشغيل الشباب، وتقديم الدعم لتمويل التدريب.
وبالإضافة إلى ذلك، تم أيضا وضع نظام لتمويل التدريب المستمر لضمان التحسين المتواصل لمهارات العاملين.
ويتم هذا التمويل بعد اتباع مسطرة محددة، ويتعلق الأمر بإبرام عقد خاص بالتكوين (CSF) بين مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل (OFPPT) من جهة، والشركة المستفيدة من جهة أخرى.
وفيما يتعلق بأثر التكوين المستمر على الأجير المستفيد، أشار السيد هيشي إلى أن تأثيره يكمن قبل كل شيء في ازدهار المستفيد وتشجيعه على تقديم أفضل إنتاجية، وبالتالي التقليص من معدل تدوير العاملين، معتبرا أن الأمر يتعلق ب “استثمار حقيقي يولد فوائد كبيرة على المستوى الفردي ويتيح الفرصة لتعزيز الملف الشخصي”.
على الرغم من كلفته المالية، فإن التكوين المستمر يضع الفرد في دينامية متجددة لإرضاء الرغبة في التعلم، ويعيد تنشيط الحس في اكتساب المعرفة الذي غالبا ما يتوارى بعد الاندماج في العمل، كما يجعله مستعدا لتقلبات سوق العمل المتغير باستمرار.
وبالتالي، فإن التكوين المستمر خلال العمل يشجع العاملين على تبني وضع دائم التحفز، واكتساب الرغبة في التقدم، وقبل كل شيء، اكتساب حالة ذهنية ومعارف تغني الدبلوم الأول.