رهانات الاقتراب من دوائر السلطة وحسابات الربح والخسارة هل سقط حزب العدالة والتنمية مرة أخرى في امتحان الشعبيى؟ وهل خرج من امتحان ” 20 فبراير” صفر اليدين؟ وهل انتهى الحزب إلى مجرد ديكور سياسي؟ بعد أن أضاع فرصة الرفع من أسهمه السياسية؟ وبالمقابل، ألا يقترب حزب بنكيران من مربع السلطة بخطوات حثيثة؟ وألا يتجه العدالة والتنمية إلى قطف ثمار المهادنة عاجلا بعد أن سرت أخبار عن مشاورات لضمه إلى الحكومة في حال أي تعديل مرتقب؟ ألم يقدم له شباب “20 فبراير” فرصة من ذهب لتسلق سلالم حلفاء السلطة؟ ألم يتمكن من فك الحصار الذي بدأ يشتد حول عنقه في الأونة الأخيرة، بعد أن توالت عايه ضربات موجعة اخرها اعتقال جامع المعتصم؟ ألم يشكل إطلاق سراح هذا الأخير وتعيينه بالمجلس الاقتصادي الاجتماعي أول ثمار صفقة المهادنة؟
المشهد الأول… من سجن سلا إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي عشية انطلاق حركات 20 فبراير الداعية للتظاهر السلمي، بالشوارع، قفز إلى سطح المشهد السياسي موقف إسلامي العدالة والتنمية. وفي أجواء الترقيب الشديد خرج الحزب بموقف الحياد السلبي. واعتبر بيان للأمانة العامة “بأن الحزب غير معني بالمشاركة في التظاهر يوم 20 فبراير”، وفي السياق ذاته عمد أمينه العام عبد الإله بنكيران إلى مراسلة مصطفى بابا بصفته كاتبا وطنيا لشبيبة العدالة والتنمية مطالبا إياه بالتراجع عن قرار المشاركة في التظاهرات الشبابية، “ضرورة تصحيح الموقف الصادر في بلاغ المكتب الوطني للشبيبة فورا، لتناقضه مع الموقف الرسمي للحزب”. وفي خلفية المشهد ترتيبات أخرى يقودها وزير الداخلية الطيب الشرقاوي. وانكشف الأمر بعد إطلاق سراح القيادي الإسلامي جامع المعتصم المعتقل بتهم الفساد والتزوير. ووصلت “الدراما” أوجها حد انتقاله مباشرة من سجن سلا إلى القصر الملكي ليصبح عضوا في المجلس الاقتصادي والاجتماعي. أما بطلا القصة فلم يكونا سوى عبد الاله بنكيران ووزير الداخلية الطيب الشرقاوي الذي اتصل شخصيا بأمين عام العدالة والتنمية لإخباره بالأمر، أو على الأقل هذا ما تم تسريبه للإعلام. “حسن بويخف” من حزب العدالة والتنمية: نحن إذن أمام صفعة قوية تلقاها المغامرون الذين دبروا الملف وانتظروا أن يجنوا ثماره العاجلة بتمديد سجن المعتصم بما يكفي ليفقد منصبه كرئيس جماعة بطانة ونائبا أول لعمدة مدينة سلا، في انتظار جني الثمار الاجلة في الانتخابات المقبلة”. وفي نبرة لا تخلو من تهديد أضاف “لكن المعركة لم تنته بعد، بل بدأت للتو”. بدأت إذن المعركة غير أن حدودها وشكلها بديا غير واضحين، خاصة بعد الهزة التي أصيب بها الحزب بفعل قرار الحياد السلبي وما اعتبره المراقبون صفقة إطلاق سراح جامع المعتصم.
المشهد الثاني… صعود أسهم الحزب في بورصة السلطة وتخوفات “القاعدة” كل المؤشرات تفيد أن حزب العدالة والتنمية صار بعد “20 فبراير” رقما مهما في أي تحالفات سياسية مستقبلية، وإن كان من مستفيد من حركية الشارع المغربي بعد هبوب ثورتي الياسمين والفل… فإنه العدالة والتنمية. يقول عضو قيادي في الحزب “بالفعل تنفس الحزب الصعداء، وهدأت الحملة التي قادتها أطراف عديدة على الحزب في أفق انتخابات 2012، ومباشرة بعدما حدث في تونس، فتحت قنوات عدة للتقرب من العدالة والتنمية”. وأضاف في تصريح لـ “المشعل” “كل شيء كان مرتبا في اتجاه مزيد من تقزيم الحزب، لكننا شعرنا بالارتياح وتونس تنتفض”. على خلفية الأحداث التونسية والمصرية قاد الحزب هجوما مضادا انتهى بتوصيف حزب الهمة بأنه يريد “تونسة” المغرب، وأنه يتجه بالبلاد إلى “البنعللة”. انتقل الحزب إذن وبسرعة قصوى من موقف المتهم إلى وضع القادر على توجيه التهم وانتقل من استراتيجية دفاعية إلى الهجوم . وقدم نفسه صمام الأمان والخادم المطيع كلما دعت الحاجة إلى ذلك”، يقول مصدر من داخل الحزب ناقم على قرارات بنكيران الرافضة لمشاركة الحزب في مظاهرات الشباب الفايسبوكي. وأضاف ذات المتحدث ” إلا أن هذه الاستراتيجية تنم عن مخاطر كثيرة، إنها تهدد الحزب على المدى القريب بفقدان شعبيته، ونموذج الاتحاد الاشتراكي ليس بعيدا عنا”. لكن بعيدا عن حسابات المترددين يتجه جزء كبير من قيادة الحزب نحو مربع المشاركة في اللعبة السياسية من داخل النظام. وتقول أغلب المؤشرات إن عبد الإله بنكيران يقود سفينة الإسلاميين نحو كراسي الحكومة بعد ورود الأنباء عن احتمال إعفاء عباس الفاسي من مهام الوزارة الأولى، “غير أن الاقتراب من دوائر السلطة لا يخفي قلقا كبيرا في أوساط قاعدة الحزب من انزلاق الحزب إلى ممارسات تفتقده شعبيته، كما حصل مع أحزاب مغربية قوية تؤدي ضريبة المشاركة في التدبير غير المحسوبة”، يقول أحد أعضاء الكتابة الجهوية للحزب بالدار البيضاء.
المشهد الثالث.. قريبا من الحكومة بعيدا عن الشعب وصلت أرباح الحزب أرقاما قياسية بعد ثورتي تونس ومصر، وارتفعت أسهمه في بورصة أي تعديل حكومي مقبل، مؤشرات عديدة تفيد أن بنكيران يتجه بخطى حثيثة نحو جني ثمار الإبتعاد عن مظاهرات “20 فبراير”. لقد انتقل جامع المعتصم من سجن سلا الذي كان يقبع فيه بتهمة الفساد إلى القصر الملكي ليصبح عضوا في المجلس الاقتصادي والاجتماعي. هذا الانتقال دفع المراقبين للشأن السياسي المغربي إلى الخروج بخلاصات، مفادها أن “حزب العدالة والتنمية أول تنظيم حزبي يجني باكورة ثمار الـ 20 من فبراير فهل يتعلق الأمر بصفقة سياسية قد تزيد في تعميق الهوة بين الحزب وقواعده؟ يرد جامع معتصم، في تصريح لجريدة” المساء” بالنفي المطلق “لا يشرف حزب العدالة والتنمية أن يعرض مواقفه للسمسرة، وكل الحملات التي استهدفته، أو ما تزال، نابعة من كونه غير مستعد للتنازل عن استقلالية قراره، وذلك فلا مجال للمساومة على نضالالته”. غير أن السياق السياسي الذي جاء فيه إطلاق سراح جامع المعتصم والمرتبط بمواقف الحزب من المشاركة في وقفات ” 20 فبراير” تركت علامات استفهام واضحة حول حقيقة نفي معتصم لنظرية الصفقة. أما زعيم ما يسمى صقور العدالة والتنمية مصطفى الرميد فقد ضل رمي استقالته في وجه بنكيران. ليتبين فيما بعد أن استقالته لم تأت على خلفية قرار بنكيران بعدم المشاركة في التظاهرات، لكنها النقطة التي أفاضت كأس الخلافات المليئة بالحسابات: “حزبنا عرف هزة قوية، لكن بالتأكيد سيخرج منها إن شاء الله قويا وصلبا، فمثل هذه الملحن هي التي تقوي لحمته وتزيد صلابته وتنير له الطريق”، هكذا يقول الرميد في حوار مع جريدة “الصباح”، إلا أنه بعيدا عن لغة الدبلوماسية، تؤكد مصادر قيادية “يعيش الحزب أزمة حقيقية بفعل مخالفات بنكيران للمساطر المعمول بها في اتخاذ القرارات”، وهذا ما يفسر قرار فاعلين سياسين بارزين من قبيل عبد العالي حامي الدين والحبيب الشوباني اللذين قدما بدورهما استقالتهما على خلفية نفس الموضوع.
المشهد الرابع… الفايسبوكيون يفككون الشفرات نسيم ثروتي الياسمين والفل المحلق على أجواء المغرب لم يهز فضاء المغرب الرسمي فقط، بل هز كل التنظيمات من أصدقاء الملك إلى أقصى المعارضة، وإذا كان شباب الفايسبوك في المغرب قد اسقطوا أكثر من قناع، فإنهم “قد عروا أيضا عن مواقف العدالة والتنمية بشكل واضح”، يقول أحد أعضاء حركة “20 فبراير” على صفحة الحركة بالفايسبوك، وتقول نورا وكيلي على ذات الصفحة: “جامع معتصم من حزب العدالة والتنمية، الأمس مختلسا للمال العام واليوم عضوا في المجلس الاقتصادي – الاجتماعي”. وقد أثار هذا التعليق عاصفة من الردود المتسائلة عن القرار “كيف يعقل أن يكون بالأمس متهما واليوم عضوا في المجلس الاقتصادي-الاجتماعي؟ هل من عاقل لبيب يفهم هذا التصرف؟”. أما مراد الناصري فيعق على القرار بالقول: “المفارقة هي كيف يتهمه النظام بالأمس واليوم يتم تعيينه؟”. ويصل الجدل قوته حين تتدخل “سلوى حمزة” لكي تعلن “هذا ليس غريبا على المغرب”. في حين يختتم النقاش شخص تحت مسمى “بينيبي” قائلا: ” كل ذلك راجع إلى “20 فبراير”كما ذكرت مجموعة من الصحف كيف يتم الإفراج عنه إذا كان مذنبا بالفعل؟ ولماذا قبل يومين من انطلاق تلك المظاهرات؟ يعني في وقت حساس جدا هل كان ذلك لسواد عيونه أم أنها سياسة المصالح المتبادلة وتكميم الأفواه وإسكات من يمكن إسكاتهم بكل الوسائل؟ وصدق القائل ما دمت في المغرب فلا تستغرب”، ويضيف صاحب ذات التعليق “لا داعي أن نحاول فهم ما يقع لأن رأسنا غادي يضرنا؟”.
تعليقات يقول عنها قيادي في الحزب: ” لا بد أن تشكل ناقوس خطر لأن تعليقات الفايسبوك غيرت أنظمة عربية كاملة، فما بالك بتنظيم ناشئ كحزب العدالة والتنمية”.
المشعل