عبدا لله الدامون
لا أفهم إطلاقا، كيف أنه مباشرة بعد خطاب الملك حول الإصلاحات الدستورية المرتقبة، جرى التلفزيون عند رؤساء الأحزاب، الذين بدؤوا يكيلون المديح للخطاب، كما كانوا يفعلون دائما زمن الحسن الثاني وما بعده، ولم يفهموا بعد أن الأمور اليوم مختلفة، وأن الحوار مباشر بين الشعب والملك، وأن الأحزاب ورؤساءها بلا دور، اللهم محاولاتهم البائسة الركوب على موجة الشعب.
في تاريخ الأحزاب المغربية، لم يسبق لرئيس حزب أن انتقد خطابا ملكيا أو أبدى حوله ملاحظات، لذلك لا معنى اليوم لأنْ يجروا نحو الكاميرات ليهللوا للإصلاحات الدستورية، والمثال الوحيد ربما هو عندما عارض الزعيم الاتحادي الراحل، عبد الرحيم بوعبيد، دعوة الحسن الثاني إلى استفتاء في الصحراء، فدخل السجن.
كان الأجدى بزعماء الأحزاب أن يعملوا على إصلاح أحزابهم وهياكلها الصدئة، وأن يتوقفوا عن أكل أموال الشعب التي تصلهم على شكل دعم بالملايير. ولو كانت في وجوه قادة الأحزاب قطرة دم فليعلنوا من اليوم أنهم سيتوقفون عن تلقي أموال الدعم من الدولة، لأن الدولة لا مال لها سوى مال الشعب. هذا أفضل شيء يمكن أن يقوموا به، أما «ضرب البنـْدير» بعد كل خطاب فتلك مرحلة متجاوزة. وإذا كانت الأحزاب في حاجة ماسة إلى الدعم، فليخرج زعماؤها لبيع البطيخ على الأرصفة لجمع المال.
ومنذ أن بدأت حركة 20 فبراير، وهي حركة كل الشعب ببساطة، لم تجرؤ الأحزاب على إعلان موقف واضح منها.. هناك أحزاب سخرت منها، وأخرى انتقدتها، وثالثة بقيت مواقفها حولها غامضة، ورابعة أمسكت العصا من الوسط، وخامسة منحت أعضاءها حرية التصرف بشكل شخصي. هذا كله يدل على أن الأحزاب المغربية لا تملك شخصية مستقلة، وأن لا دور لها إطلاقا في تحريك الشارع، وأن زعماءها مجرد قادة من ورق.
المغاربة كلهم يعرفون أن الأحزاب المغربية لا تختلف في شيء عن البرلمان أو الحكومة، أي أنها هياكل صورية بلا معنى، لأن قرارات الحكم تخرج من جهات أخرى وليس منها. لذلك فإن أكبر تشويه يمكن أن يلحق الإصلاحات الدستورية المقبلة هو هذه الهرولة لرؤساء الأحزاب لكي يدلوا بآرائهم، وهم في كل الأحوال لهم رأي واحد، لأنهم كلهم «أولاد عبد الواحد».
مستقبل المغرب يبدو اليوم مختلفا تماما عما مضى، وأغلب الأحزاب المغربية، وليس فقط الأصالة والمعاصرة، تحتاج إلى الحل ومصادرة مقراتها وممتلكاتها لأنها عبء على المجتمع، والملايير التي تتلقاها كل عام تخرج مباشرة من جيب الشعب، لأنه لا يعقل أن يكون عدد المغاربة المتحزبين لا يصل إلى 2 في المائة، ومع ذلك يضطر 30 مليون من المغاربة إلى الاقتطاع من أقواتهم وأرزاق عيالهم لدعم أحزاب تافهة ومريضة وتحتاج إلى الدفن أكثر مما تحتاج إلى العلاج.
الكلمة اليوم ليست للأحزاب، بل للشعب، وإذا كانت الأحزاب السياسية تملك «الأصل التجاري» الذي يجعلها تملك الشرعية القانونية، فإن الناس يملكون الشرعية الشعبية.
منذ الاستقلال وإلى اليوم، لم تستطع كل هذه الأحزاب المريضة ولا قياداتها المنتفخة تحقيق ولو مطلب بسيط من التعديلات الدستورية الحقيقية التي تجعل المغرب بلدا ديمقراطيا حقيقيا وليس مجرد قطعة أرض في يد حفنة من الناس. والمثير أن هذه الأحزاب جعلت من ورقة التعديلات الدستورية مجرد وسيلة للمساومة والمقامرة السياسية، لذلك فإن أفضل ما يمكن أن تقوم به هذه الأحزاب المتلاشية هو أن تبتعد عن شباب اليوم، هؤلاء الشباب الذين يتمنون بلدا جديدا ومختلفا، بلد بدأت أوراق مستقبله الفتية الخضراء تبرز من تحت أكوام الغبار… الغبار الذي راكمه سياسيون فاسدون وزعماء منافقون وأحزاب تافهة.
شباب اليوم لن يكتفوا بما تعودت الأحزاب على الاكتفاء به.. إنهم لن يثقوا في المستقبل قبل أن يروا الفاسدين الكبار خلف القضبان، والمتهربين من الضرائب يقفون في الطوابير لتأدية الملايير التي في ذممهم، والقضاة الفاسدين يرتعدون خوفا من المحاسبة، والمختلسين يُعرضون في قاعات المحاكم، والمسؤولين الإداريين والأمنيين الفاسدين الذين اغتنوا من التهريب وتجارة المخدرات ينتظرون دورهم للمحاسبة.
لكل جريمة عقاب.. والبلد الذي لا يحاسب مجرميه لن يتقدم أبدا..
عمود “صباح الخير” ، نشر بجريدة المساء بتاريخ 15 مارس 2011