– إنتاج مربعات الزليج:
تبدأ هذه العملية بتهييئ مادة الطين الخام (خليط من الحجر الطيني الأزرق والأصفر) عبر غطسها لمدة طويلة في الماء داخل أحواض، ليتم بعد ذلك عجنه قبل استعماله لإنتاج المربعات بواسطة قوالب تفرش على أرضية مستوية في بهو المحرف. وبعد تجفيفها بأشعة الشمس، تنقل هذه المربعات إلى أماكن قرب المحرف لتخزينها، ويقوم الصناع بتقطيعها حسب الشكل المطلوب، وتوضع بعد ذلك في أمكان لتجفيفها للمرة الثانية.
خلال هذه المرحلة يتم طهي مربعات أخرى داخل أفرنة (ما يناهز مربعة)، وتتطلب هذه العملية اهتماما كبيرا من طرف الصانع التقليدي، الذي يقوم بطهي المربعات على مدى 24 ساعة إلى أن يتم إخراجها في اليوم الموالي. 8000 قطعة
موازاة مع هذه العملية يتم تلوين هذه القطع بخليط لا يعلم تركيبته إلا الصانع المعلم لأن التلوين عادة ما يختلف بناء على طلب الزبون أو حسب المواد الأولية المتوفرة. بعد ذلك يتم طهي المربعات للمرة الثانية، وبعد استخراجها يتم عزلها حسب اللون والطهي الجيدين. وعادة ما تتم هذه المرحلة في موسم الصيف لكي يستفيد الصانع من سخونة الطقس، ليتم تخزين أكبر عدد من المربعات خلال هذا الموسم قصد الاشتغال بها خلال فصل الشتاء، كما أن الصانع ينتج بالأساس لفائدة الزبناء (المعلمين المكلفين بوضع الزليج) الذين تكون طلبياتهم مرتفعة بين شهري مارس ويوليوز وهي المدة التي تشتغل فيها الورشات الحرفية بوضع الزليج داخل البنايات.
– نقش المربعات في شكل قطع هندسية صغيرة:
تنحث المربعات من الطين المجفف يدويا بواسطة مطرقة حديدية مخصصة لهذا الغرض تسمى “المنقاش” لتجزأ هذه المربعات إلى قطع صغيرة تسمى “الفرم”، هذه الأخيرة تؤلف فيما بينها نسقا يستجيب لقواعد رسوم وخطاطات مطابقة للأصول وتحترم كل قواعد هندسة الفن الإسلامي، وتتم هذه العملية عادة داخل ورشات أصغر من الورشات الأولى وتشغل عادة عمال أو نقاشة يتمركزون داخل نفس الحي، بغرض الاستفادة من قرب الصناع المنتجين للمربعات، حيث يتم تقسيم العمل فيما بينهم، حيث يباشر كل حرفي وظيفته التي يكررها باستمرار وفق نفس الحركة.
يقوم الحرفي الأول برسم وتسطير الأشكال الهندسية للقطع المراد نقشها على المربع. في المرحلة الثانية تقطع المربعات حسب التسطير ويتم النقش وفق تجربة عالية لاستغلال مساحة المربع بأكملها والحد من الكسور. في المرحلة الثالثة والأخيرة يتكلف الحرفي بنقش الفسيفساء على شكل “بيزو” لتتم عملية الوضع بطريقة عادية.
وتجدر الإشارة إلى أن طرق نقش الأجزاء الصغيرة ذات خصوصيات تتطلب تقنيات خاصة لا يعرفها إلا المتمرس عليها، فطرق التقطيع والنقش هما مفتاح السر في هذه الحرفة بالإضافة إلى مجموعة من الخصوصيات التي لا يمكن التوصل إليها إلا عبر مجموعة من التجارب والمهارات التي تكتسب من ذوي الخبرات في المجال.
– الوضع النهائي لقطع الزليج (التفراش):
تعد هذه المرحلة من أهم مراحل إنتاج الزليج التقليدي وفي تسلسل اختصاصات الحرفة، فالمعلم المتمرس يتصل مباشرة بالزبناء، يقترح الأشكال ويقوم بتقديم الطلبيات للورشات المنتجة للمربعات. إذ يقوم بعد ذلك بتصميم الرسومات على الأرض، لوضع الأجزاء المنقوشة “الفرم” وخاصة وجهها المصبوغ على الأرض الذي ينتقل تدريجيا من الوسط إلى الجوانب، وهنا تتجلى مهارة الصانع التقليدي وتقنياته خاصة إذا ما علمنا أن متر مربع من الزليج يضم ما بين 6000 إلى 8000 قطعة صغيرة.
فالتصميم يتوفر على مقاييس مضبوطة يتطلب تقويمه تدريجيا حتى يمكن مطابقته مع مقاييس الحائط. وعند انتهاء العمل على الأرض، يتم ملئ الشكل النهائي بمادة الجبس والماء لتتماسك القطع فيما بينها، وذلك قبل صب مادة الإسمنت المسلح على طبقة سمكها 3 سنتيمترات.
بعد هذه العملية يتم تقطيع الشكل على شكل “قوائم” وذلك قبل تماسك الاسمنت فيما بينها، ليتم إلصاق هذه القوائم على الحائط مع إبعاده عنه بخمسة سنتيمترات حتى يتسنى للصانع المعلم صب مادة الإسمنت المسلح مرة ثانية بين هذه القوائم والحائط للتتماسك معه، وتستغرق هذه العملية مدة أربعة أيام.
وتتم كل مرحلة من هذه المراحل داخل ورشات مستقلة بعضها عن بعض، تسير من طرف المعلم أو رب الورشة الذي يشغل عادة ما يقارب خمسة حرفيين ويشتغل في عدة أوراش في آن واحد.
يتبين مما سبق أن بساطة الآليات المستعملة تتماشى مع التقنيات المتبعة منذ عصور خلت، وذلك يكمن سره في المهارة الحرفية والدراية بقواعد الحرفة التي تعد باكورة ونتاج مراحل من التعلم والتتلمذ، وهذا ما بوا الزلايجي الفاسي سمعة كبيرة في أوساط المهنة سواء بالداخل أو الخارج، إذ استطاع الحفاظ على طابع الزليج الفاسي سواء تعلق الأمر بكيفية صناعته أو أشكاله رغم تغيرات العصر والأذواق.
ولازالت هذه الحرفة تستقطب اهتمام الفنانين التشكيليين والمهندسين المعماريين وعشاق الأصالة الحرفية والإبداع والتراث المغربي العريق.