مع إسدال الستار على عام 2024، يبرز العفو الملكي الذي أصدره محمد السادس في شهر غشت الماضي كواحد من أبرز القرارات التي طبعت المشهد الوطني خلال هذه السنة التي نودعها.
ولم يكن هذا العفو الذي شمل أكثر من 4,800 شخص متابع أو مدان في قضايا تتعلق بزراعة أو الاتجار في القنب الهندي، مجرد إجراء قانوني عابر، بل خطوة استراتيجية تعكس تحولاً عميقاً في طريقة تعامل الدولة المغربية مع واحدة من أكثر القضايا حساسية وتعقيداً على المستويين الاجتماعي والاقتصادي.
وكانت زراعة القنب الهندي، التي ظلت لسنوات شريان حياة لآلاف الأسر في مناطق الريف، على الدوام قضية شائكة تعكس مزيجاً من الهشاشة الاقتصادية والضغط الأمني.
ولم توقف عقود من الحظر نمو هذه الزراعة، بل عمقت ارتباطها بشبكات الاتجار غير المشروع، لتضع سكان هذه المناطق في مواجهة مستمرة مع المتابعات القضائية وضغوط العيش اليومي.
فجاء العفو الملكي ليكسر هذه الحلقة المفرغة، ويضع أسساً جديدة لتعامل الدولة مع القنب الهندي كرافعة اقتصادية مشروعة بدلاً من مصدر للتوتر.
ويمثل هذا العفو الملكي تحولاً جذرياً في السياسة المغربية، إذ يتيح إعادة إدماج آلاف المزارعين في الاقتصاد الرسمي، بالتزامن مع الجهود الرامية لتنظيم زراعة القنب الهندي واستخدامه لأغراض طبية وصناعية.
ومنذ بدء تنفيذ القانون الجديد في عام 2021، بدأت الدولة في جذب استثمارات دولية لتطوير هذا القطاع، مع التركيز على بناء سلاسل إنتاجية متكاملة تخلق فرص عمل وتحقق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني.
وتظل الرهانات المستقبلية كبيرة، حيث يتطلب النجاح تحقيق التوازن بين استقطاب الاستثمارات وتعزيز التنمية العادلة في المناطق القروية. حيث سيعتمد نجاح المغرب في تحويل القنب الهندي إلى قطاع منتج على قدرة الدولة على تمكين المزارعين من الانخراط الكامل في هذا التحول، وضمان استدامة العوائد الاقتصادية والاجتماعية لهذه المقاربة الجديدة.
إن العفو الملكي ليس مجرد إجراء إداري، بل خطوة شجاعة تعكس رؤية بعيدة المدى لتحقيق المصالحة الاجتماعية والابتكار الاقتصادي. في هذا السياق، أصبح المغرب نموذجاً يُحتذى به في كيفية تحويل تحديات الهيمنة التاريخية إلى فرص تنموية واعدة تخدم مصلحة المواطنين والدولة على حد سواء.