عند استحضار القوات الخاصة تتبادر إلى الذهن مجموعة من الصور لرجال مقنعين لايبرحون مكانهم وأرجلهم متباعدة وأياديهم تعانق السلاح كما يعانق المرء من يحب، أعينهم محدقة في الأفق دون اضطراب، رجال لا يتمنى المرء أن يصادفهم في زقاق مظلم.
غير أن هذا الوصف سرعان ما يغيب في الواقع، فبعد مقابلتها لبعض من مسؤولي هذه القوات الخاصة ، يمكن لوكالة المغرب العربي للأنباء أن تجزم يقينا أن الأمر يتعلق برجال يتحلون بالطيبوبة وعلى قدر عال من التكوين ويتمتعون بحس كبير من المسؤولية اتجاه وطنهم وأمنه وطمأنينة مواطني بلدهم . مع هؤلاء الرجال يحلو الحديث تحت قطرات المطر وفي أجواء الطقس الجميل على شرفة مقهى.
القوات الخاصة المغربية مكونة من مجموعة للتدخل السريع تابعة للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني . هي وحدة للنخبة متمرسة ومؤهلة ومجهزة على نحو كبير وجيد تم إحداثها في 2004 غداة تفجيرات 16 ماي 2003 بالدار البيضاء.
وتتمثل المهمة الرئيسية للمجموعة في تعقب الخلايا الإرهابية وتفكيكها وشل حركتها قبل انتقالها إلى مرحلة التنفيذ لتجنب البلاد خطر الإرهاب . كما تساعد هذه العناصر وبيد من حديد باقي مصالح المديرية العامة للأمن الوطني في العمليات التي تباشرها لمحاربة الجريمة المنظمة أو في إطار عمليات تطهير البؤر الإجرامية الصغيرة.
وتتبنى عناصر هذه المجموعة الخاصة في عملياتها شعار تحييد المستهدف دون حدوث أية مخاطر على العناصر الأمنية وعلى المستهدف وعائلته أيضا.
ولتحقيق هذا المبتغى، يتطلب الأمر أسابيع من التخطيط والرصد والتخفي والتحضير بالنظر لخطورة العناصر المستهدفة. وتعتبر المعلومات الدقيقة التي يتم تجميعها من الميدان والمعطيات العملية والتي يتم تمحيصها قبل القيام بأي عملية ، أساسية بالنسبة لهؤلاء المختصين في العمليات الأمنية ، الذين يفارق النوم أعين رؤسائهم خلال الأيام التي تسبق العملية.
وتتوزع وحدات مجموعة التدخل السريع حسب تخصصاتها ومؤهلاتها وتكوين أعضائها المتواجدين بالميدان . فتحركاتها مخطط لها بدقة متناهية وغالبا ما يتم مقارنة تدخلاتها ولسبب وجيه ، مع تدخل الجراح في إزالة العضو المريض للحفاظ على باقي الجسد وصيانة وحدته.
وتتكون من وحدة “الاختراق ” المتخصصة في فتح الأبواب ، ويتركز دورها في تهيئة الطريق في وقت زمن قياسي لا يتعدى دقيقة من أجل فتح جميع الأبواب المستعصية على الفتح .
وهناك وحدة ” التسلق ” مكونة من عناصر مدربة ذات قدرات عالية في تسلق الأسوار والولوج إلى أماكن العمليات دون إثارة شكوك المستهدفين أو المتابعين لمجريات العملية.
وتضم الوحدات أيضا ، ” فريق القناصة ” مكون من أفضل عناصر الوحدات الخاصة ، وهم قناصون من النخبة يتمتعون بالتركيز الجيد ودقة متناهية في التصويب عند تنفيذ عملية إطلاق الرصاص في اتجاه الهدف .
وهناك كذلك فريق التنظيف المكلفين بإزالة الألغام والذين لا يتوانون في المخاطرة بحياتهم حتى يكون الآخرون من عناصر الوحدات الخاصة والمواطنون في مأمن .
وفي الأخير توجد “فرقة حماية كبار الشخصيات ” التي تتكلف بمهمة الحماية اللصيقة لشخصيات كبرى خلال زيارتها للبلاد .
وتتولى مختلف هذه الفرق مهمات استراتيجية تتطلب تدريبات مكثفة ويومية وحصتين على الأقل في الأسبوع للتمرن على الرماية.
فبهذه الدرجة العالية من الاحترافية والنجاعة تمكنت هذه العناصر من تفكيك المئات من الخلايا الإرهابية . إنه سجل حافل بالإنجازات قليلة هي الهيئات المماثلة في العالم التي حققته .
ويخضع توظيف هؤلاء الأفراد لمعايير تشمل التوفر على مسار رياضي متميز ، وقدرات رياضية استثنائية ، ومستوى جيد من الثقافة العامة ، وشخصية قوية تتيح لعناصر القوات الخاصة في المستقبل الرفع من أدائهم وتعزيز مهاراتهم الميدانية .
وبالنظر إلى الطابع الحساس لمهامهم والخطر الكبير المحدق بشخصهم خلال تنفيذ مهامهم الباسلة والمحفوفة بالمخاطر فإن عناصر مجموعة التدخل السريع ترافقها وحدة طبية تتكفل بتقديم العلاجات الأولية والمساعدة لأفراد الوحدة وكذا للأشخاص المتواجدين بمسرح العملية .
وإذا كان سياق الأزمة الصحية الناجمة عن وباء كوفيد 19 أجبر الإرهابيين على وقف خططهم الدنيئة ، فإن خطر الإرهاب يظل قائما في كل مكان ، فهو يتكيف سريعا مع السياقات .إذ تزايدت الأنشطة المرتبطة بالدعاية والاستقطاب على شبكة الأنترنت.
وتوج الرد الأمني على هذا التنامي في الدعوات المحرضة على الكراهية من قبل إرهابيين ، بثلاثين عملية إيقاف نفذتها عناصر الوحدات الخاصة.
كما يلاحظ أن عمليات المطاردة الدؤوبة لهذه الخلايا شددت الخناق أكثر على أفرادها الذين عملوا على توجيه أنشطتهم خارج المدار الحضري .
وفي المدينة كما في البادية ، ستظل القوات الخاصة الحصن المنيع في وجه مشاريع المتعصبين المتعطشين لإراقة الدماء ، في إطار القانون وحماية أمن هذا البلد وطمأنينة مواطنيه .