مغرب اليوم
ارتفاع استهلاكم الخمر، والإقبال على القمار، وإرتفاع نسب الدعارة والجريمة، والرشوة، والتطرف من المظاهر الإجتماعية التي ساهمت في الكشف عن تراجع المغاربة عن الإلتزام بالأخلاق التي تدعو إليها المنظومة القيمية الإسلامية، التي تؤكد ان ” الدين المعاملة”. في الوقت الذي تؤكد مجموعة من الدراسات السوسيولوجية التي أنجزت خلال العشر سنوات الأخيرة على أن الممارسات الدينية في إرتفاع لدى المغاربة، بإختلاف جنسهم وأعمارهم، وأن الهوية الإسلامية أساسية ضمن الهوية الفردية والأجتماعية للمغاربة، بالإضافة إلى تأكيدها ان ثقتهم في المؤسسات الدينية مرتفعة، ويرفضون المواقف المتطرفة والمتشددة للدين. لكن كيف يمكن فهم هذه ” الازدواجية”، أو ما يسمى بـ “النفاق الإجتماعي”، الذي يثيره تفوق المغاربة في الجانب التعبدي مقابل تراجعهم في الجانب السلوكي والأخلاقي، وكذا انحسار الدور الأسري والتعليمي لصالح ممارسات إجتماعية، دفعت بالعديد إلى عيش حالة من التناقض بين ما يعتقده ويمارسه. مجموعة من الباحثين في العلوم الإجتماعية والسياسية والفاعلين الدينيين يعتبرون أن هذا” التناقض الديني سمة العصر الحاضر”، لأن العالم أصبح سوقا مفتوحة لمجموعة من الأفكار والمنظومات والقيم الجديدة، فرضه الإنتقال من مجتمع تقليدي بسيط ومتخلف على جميع المستويات نحو مجتمع مركب يلج عوالم الحداثة والنهضة والتقدم، وهي من الأمور التي تكون مدعاة لتزايد حالة التباين بين أفعال الناس ومعتقداتهم. ويعتقد هؤلاء المهتمون في تحليلهم لهذه الظواهر الدينية ذات الأبعاد الاجتماعيى الخطيرة ان ” أحسن وسيلة لتجاوز التوتر الديني عند المغاربة هو فهم فلسفة الدين ومقاصده العديدة”، والتي للأسف عرفت تراجعا بسبب غيابها عن البرامج التعليمية في المدرية والجامعة والأسرة، والمسجد أيضا. “مغرب اليوم”طرحت سؤالا مركزيا في هذا الإتجاه، ” هل الدين مجرد القيام بالشعائر التعبدية؟”، في الوقت الذي يعتبر مجموعة من الباحثين في حديثهم إلينا أن من أسباب عدم فهم الدين على حقيقته والتناقض بين العبادة والسلوك هو عدم المعرفة حقيقة بالدين. وعن التناقض بين ما هو تعبدي وسلوكي لا يعتقد هؤلاء الدارسون للشأن الديني بالمغرب أن من شأنه أن يصل إلى حد انفصام الشخصية عند المغاربة، ” لأننا سنكون حينئذ أمام سلوك مرضي لا يعاني منه المواطن المغربي لوحده، بل يقع فيه الإنسان عموما”.
المغاربة والتدين تــــــــذبذب وتــــــــــوتر ونفــــــــــاق الحالة الدينية بالمغرب تعيش اليوم م أسماه بعض الباحثين” حالة توتر”، وتحدثت مجموعة من الدراسات عن وجود حالة تناقض بين التزام المغاربة بالعبادات والشعائر الدينية وبعض السلوكات التي تناقضها تماما، ومنها الدراسة التي أعلن عن نتائجها مركز الأبحاث والدراسات المعاصرة. ” مغرب اليوم” استطلعت آراء مجموعة من الباحثين الاجتماعيين والفاعلين الدينيين وسألتهم :” هل يصل هذا ” التوتر” حد النفاق الاجتماعي، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون حالة اجتماعية عادية، فرضتها التحولات المجتمعية بكل أبعادها؟ إن التمعن في الدراسات السوسيولوجية المحلية والدولية حول التدين يكشف بسهولة عن أن ممارسة الشعائر الدينية في المغرب عرفت تطورا ملحوظا، سواء على المستوى الكمي أو الكيفي، إلا أن جديد هذه الدراسات كونها أظهرت المغاربة متفوقين في الجانب التعبدي، في مقابل التراجع في الجانب السلوكي والأخلاقي. متدينون أكثر المغاربة، حسب هذه الدراسات، يعيشون حالة من التدين المرتبط بالالتزام النسبي بالشعائر التعبدية للإسلام، وخاصة على مستوى الالتزام بأركانه. من الصلاة والصيام والزكاة والحج، حيث ترصد الدراسات التي انجزت في هذا الصدد استمرار ظاهرة الإقبال على الحج، والتي انتقلت من 177 ألف شخص إلى حوالي أزيد من 300 ألف يشاركون في قرعة الحج كل سنة، وأيضا تتجلى في الإقبال على التعليم العتيق، وتحفيظ القران الكريم، والإقبال على الإنفاق على بناء المساجد، والإقبال على برامج العمرة في رمضان، وفي الحالة العامة التي يصبح عليها المجتمع المغربي في رمضان، وكلها مؤشرات تؤكد أن هناك نزوعا عاما حول الالتزام بالشعائر التي تجسد الجانب التعبدي في الإسلام. تراجع الأخلاق بالمقابل لا حظت الدراسات، التي تناولت علاقة المغاربة بالدين، استمرار التراجع في الجانب الأخلاقي والسلوكي، وللتأكيد على هذا التراجع الديني تقدم الأبحاث السوسيولوجية الحديثة استدلالات على هذه النتيجة، منها ارتفاع المعدلات المرتبطة باستهلاك الخمر، والإقبال على القمار، وارتفاع نسب الدعارة والجريمة، والرشوة، وكل هذه المؤشرات تكشف عن حصول حالة من التراجع في المؤشرات المرتبطة بدرجة الالتزام بالأخلاق، والمنظومة القيمية الإسلامية،والتي تؤكد أن “الدين المعاملة، والإيمان ما وقر في القلب وصدفه العمل”. وتكشف هذه النتائج كذلك عن وجود حالة توتر في الحالة الدينية بالمغرب، وحالة التناقض بين ما هو تعبدي وبين ما هو اعتقادي وسلوكي. فهل يصل هذا الأمر إلى حد النفاق الاجتماعي، الذي يجعل الإنسان يظهر أمرا ويبطن اخر؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون حالة اجتماعية عاجية يمكن أن يمر منها المغربي عموما، والمسلم على وجه الخصوص، على اعتبار أن باب التوبة مفتوح في وجه كل من أخطاء وأذنب في الإسلام؟ خصوصا وأن أصل الإيمان راسخ في القلوب، مهما وقع الناس في المخالفات التي ينهى عنها الدين”،حسبما يؤكد عبد الباري الزمزمي لـ”مغرب اليوم”. التعبد والسلوك تظهر أهم الخلاصات والنتائج التي توصل إليها مركز الدراسات والأبحاث المعاصرة وجود تناقض بين الجانب التعبدي والسلوكي، وتقوم بتفسير جانب من هذه الظاهرة الدينية التي تخلق حالة من التوتر الاجتماعي. فالعديد من الباحثين يؤكدون انه من الصعب أن يكون هناك تطابق تام بين ما يعتقده الناس وبين ما يمارسونه في حياتهم اليومية، “فالإنسان ظاهرة مركبة ومعقدة يصعب وضعها في قوالب جامدة”. يؤكد محمد مصباح،الباحث المقيم بالمركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة،”فقد يقوم الإنسان بسلوك معين في وقت يعتقد عكسه، كما يمكن أن يكون هناك توافق بين ما يعتقده وما يمارسه، وهذا داخل في إنسانية الإنسان ونسبيته”. فـ”الازدواجية” التي تحصل للناس في حياتهم “أمر طبيعي” ينبغي فهمه في سياقه الثقافي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي أفرزه”. بالنسبة للمغرب، تؤكد الدراسات السوسيولوجية التي أنجزت خلال العشر سنوات الأخيرة (المسح العالمي حول القيم2001 و 2007،والبحث الوطني حول القيم 2005، وتقرير الإسلام اليومي 2007، وتقرير معهد غالوب 2006 و 2008 و 2010، وتقرير معهد بيو 2005 و 2008، وجامعة ماريلاند وزغبي 2010، وتقرير مؤسسة أنا ليند 2010) على أن الممارسات الدينية في ارتفاع لدى المغاربة باختلاف جنسهم وأعمارهم، وأن الهوية الإسلامية أساسية ضمن الهوية الفردية والاجتماعية للمغاربة،وأن ثقتهم في المؤسسات الدينية مرتفعة ويرفضون المواقف المتطرفة والمتشددة للدين، ولكن بموازاة ذلك ترتفع أيضا نسب استهلاك المخدرات والخمور والتعاطي للقمار … بالإضافة إلى تسجيل ترد على مستوى أخلاق العمل وحس المسؤولية وارتفاع الرشوة في المؤسسات العمومية. النفاق الاجتماعي كيف يمكن فهم هذه” الازدواجية” أو “النفاق الاجتماعي” الذي يكشفه تفوق في الجانب التعبدي وانحسار في الجانب السلوكي والأخلاقي؟ لفهم هذا الأمر يرجع العديد من المهتمين أسباب ذلك إلى التحولات الأسرية، والتي من أبرز نتائجها تراجع دور وظائف الأسرة في التنشئة على القيم، والدور الذي تلعبه في تلقين القيم والمعايير الاجتماعية، بحيث طرأت عليها تحولات عميقة، خصوصا انتقالها من الأسرة النووية، وتغير العلاقات الزوجية والأبوية، وبروز إشكالات جديدة لدى الأسر. مما أثر على وظائفها التربوية، كما تؤكد ذلك دراسة المجتمع والأسرة والنساء والشباب المنجزة في إطار تقرير الخمسينية. التوتر سمة العصر في الوقت الذي يقر الباحث السياسي عبد الإله المنصوري بوجود حالة توتر في تدين المغاربة، ويعتبرها سمة العصر الحاضر، لأن العالم أصبح سوقا مفتوحا للأفكار والمنظومات والقيم، يرى أن هذا التوتر فرضه الانتقال من مجتمع تقليدي بسيط ومتخلف على كل الصعد نحو مجتمع مركب يلج عوالم الحداثة والنهضة، وهو الأمر الذي يعتبره المتحدث مدعاة لتزايد في حالة التوتر، خاصة إذا عاش المتدين انفصاما بين الرؤية والسلوك، بين الاعتقاد والمعاملات. ووجه الباحث في عالم السياسة عبد الإله المنصوري، في حديثه لـ”مغرب اليوم”، اتقادا لا ذعا للنتائج الأولية التي أعلن عنها مركز الدراسات والأبحاث المعاصرة في تقريره السنوي حول الحالة الدينية بالمغرب، والتي تسجل صعودا في الجانب التعبدي على حساب انحدار في السلوك الاجتماعي، الذي من المفروض الالتزام به دينيا. كما كشف عن أن خلاصات التقرير في طبعته الثانية تنطوي على الكثير مما ينبغي تداركه، سواء على مستوى المنهج أو مستوى الرؤية. وللتدليل على رؤيته الانتقادية لنتائج المركز المغربي، يعتقد الباحث أن التقرير لا يكتفي بالرصد والتوصيف، بل يقدم في المنطلق تعريفا شاملا للدين والتدين، ثم لا يلبث يتناقض معه، يضيف المتحدث، خصوصا حينما يبدأ في رصد الظواهر التي يعتبرها معبرة عن التدين، فيقصرها في الغالب على الشعائر التعبدية (صيام رمضان والحج). وعدم شرب الخمر ونوع معين من لباس المرأة (الحجاب) والقروض البنكية بالفوائد. وأكد المنصوري ان التقرير أغفل الحديث عن قضايا الحريات العامة والخاصة والعدالة الاجتماعية، أو التوزيع العادل للسلطة والثروة، كمؤشرات للتدين (ما دام التقرير يعطي تعريفا شاملا للدين).وبالتالي يجد الملاحظ انه بصدد رؤية تقليدية للدين،”والتدين حينها لا يتجاوز سقف الرؤية الرسمية المغربية التي ينطوي خطابها على استثمار سياسي للدين”، على حد قول المنصوري. وأضاف أن التقرير وقع فيخلط كبير حين جعل من تحديات التدين بالمغرب التحدي المذهبي الشيعي، ووضعه في سلة واحدة مع التنصير والشذوذ الجنسي، والتطبيع مع الكيان الصهيوني، بلغة مذهبية تنتمي، في نظره، إلى عالم الفعل السياسي وصراعاته ومصالحه. وليست للبحث العلمي. فهم فلسفة الدين مصطفى بوهندي، أن القول بالتوتر بين الجانب التعبدي والسلوكي في تدين المغاربة قد يكون صحيحا إذا استند إلى دراسة قوية، إلا أنها ينبغي أن ترتكز في نظره على استدلالات قوية تجيب عن مظاهر التوتر الموجودة بين الجانب التعبدي والسلوكي. ويعتقد الباحث في علم الأديان ان الذي ينبغي التأكيد على أهميته لتجاوز التوتر الديني للمغاربة هو فهم فلسفة الدين ومقاصده، إذا يرى بأن هناك ضمورا لهذا التصور في البرامج التعليمية والعلمية والجامعية، في الوقت الذي اعتبر أن من أسباب عدم فهم الدين على حقيقته والتناقض بين العبادة والسلوك المشكل المرتبط بتحديد حقيقة الدين، فهل الدين مجرد القيام بالشعائر التعبدية؟ يشدد بوهندي على أن للجانب التعبدي أهميته، بالنظر إلى تحقيق أهداف أخرى كبيرة هي الغاية من الدين، فالمظاهر التدينية إذا لم تدفع الإنسان إلى إصلاح نفسه فإنها تصبح نوعا من النفاق الاجتماعي. يضيف الباحث في الأديان، وتصبح حينها جزءا من العادات والتقاليد التي يكون نفعها قليلا على المجتمع. وحول مدى اتفاقه مع الدراسات التي تهتم بالحالة الدينية للمغاربة، فقد أقر الباحث بحاجة المجتمع إلى هذا النوع من الدراسات،التي تهتم بالجوانب الاجتماعية والنفسية لتأثير الدين، “لأنها ترصد واقع خصوصية التدين بالمغرب وتساعد على فهمه الفهم الصحيح”. ويرى بوهندي، في حديثه لـ”مغرب اليوم”، أن الكثير من الغربيين أنجزوا دراسات في المجتمع المغربي حول الدين، لكنها كانت تنجز من أجل تحقيق أهداف أخرى لا تنتمي إلى حاجات وطنية، بقدر ما كانت تلبي حاجة استعمارية (كولونيالية) تتضمن تصورات مسبقة عن الإسلام والدين. وقال مدير مركزا أديان إن تلك الدراسات الغربية ركزت على ما أسماه ” الإسلام الشعبوي”.والمفروض اليوم، يضيف الباحث المغربي، أن ندرس التدين الإسلامي بكل مظاهره، من صلاة وصيام وطقوس ومعاملات وسياسة، وغير ذلك، من أجل تقديم أجوبة علمية بعيدة عن الفلسفة الغربية.
المغاربة وانفصام الشخصية يتفق الباحث في العلوم الاجتماعية إدريس قصوري مع غيره من الباحثين وهو يفسر حالة التوتر الديني، حول وجود هفوة في العلاقة بين العبادات والأخلاق، ويسجل وجود شرخ كبير بين الجانب التعبدي والمعاملات، رغم أن الدين يجعل من الجانب التعبدي سلوكا وظيفيا له بعد اجتماعي، ويعتبر أن الصيام والصلاة والحج شعائر تعبدية ينبغي أن تكون لها نتيجة إيجابية في واقع المجتمع وحياة الناس، ولا يقف الأمر عنده إلى هذا الحد، بل يرى أنه لا بد من مطابقة كلية ما بين الجانب التعبدي والسلوكي. والمفارقة الغربية بالنسبة للقصوري أصبحت في مجال المعاملات، التي جعلت من التدين أمرا شكليا، على حد وصفه، على اعتبار أن مجموعة من الحقائق والوقائع تدل على وجود ممارسات سلوكية في المجتمع تعتبر غير أخلاقية، كالرشوة وسبب الدين وتعاطي القمار والنفاق والكذب. ومن هذا المنطق، ينفي المتحدث ذاته وجود التزام حقيقي بالدين، بسبب الضغط الكبير لواقع الحياة المعيشة، ويعتبر أن هناك من لا يريد أن يصبر ويكافح من أجل تحقيق ذاته، ويسعى بالمقابل إلى أن يحقق أهدافه ومصالحه بسرعة ولو على حساب مبادئه. ويشدد الباحث على أن الحل يكمن في ضرورة الانضباط في السلوك، لأن التهافت على الحياة الاجتماعية، وعدم التشبع بمقاصد الدين، والقراءة الحرفية لنصوص الإسلام، من شأنها أن تقوض جانب التدين. واستعبد الباحث وجود حالة التوتر التي من شأنها أن تصل إلى حد انفصام الشخصية عند المغاربة، لأننا سنكون حينئذ أمام سلوك مرضي لا يعاني منه المواطن المغربي لوحده، بل يقع في الإنسان عموما، بسبب أنه غير واع بما يقوم به، في حين أن من يمارس السلوكات المنافية للدين من التعامل بالرشوة وغيرها، يضيف قصوري، فإنه يدرك ما يفعل. وبالنسبة للدراسات التي تصدر في مثل هذه المواضيع، أكد أن هناك دراسات مضادة تستهدف إلغاء نتائج بعضها البعض، وهذا أمر غير صحي في نظره، مشددا في ختام حديثه على أن الدراسات التي تنبني على إحصائيات مدققة بمناهج سليمة هي دراسات حقيقية. التدين هو الأصل لا يختلف تقييم الدكتور مصطفى بنحمزة، عضو المجلس العلمي الأعلى، كثيرا عن بعض الدراسات التي تتحدث عن وجود تباين بين الجانب التعبدي والجانب السلوكي في المجتمع المغربي، فهو يرى أن مثل هذه الدراسات لا يمكن إلا أن يتم الترحيب بها، لأن العمل العلمي لا بد أن يكون مفيدا ومثمرا، بشرط، يضيف بنحمزة، أن يكون القائمون عليه على درجة من العلم والكفاءة والاعتدال، وأن لا يكونوا أصحاب مواقف مناهضة للدين، ويؤكد المتحدث،الذي يشغل منصب رئيس المجلس العلمي المحلي لمدينة وجدة، أنه من المفروض في هذه الدراسات أن تستفتى فيها مجموعة من التيارات الفكرية المتعدة، حتى تكون أقرب إلى الإنصاف، لأن بعض الدراسات العلمية في مجال الدين كانت مجانبة للصواب، على حد تعبيره. ويرى أن تنامي ظاهرة التدين أصبح أمرا واقعا في المجتمع المغربي، على اعتبار أن ذلك منحى عالمي، سواء في العالم المسيحي أو اليهودي، لأن الدين في نظر الفاعل الديني الرسمي أصبح يفرض نفسه بعد الإخفاقات التي تمت بفعل الوعود التي أعطيت للإنسان من أجل أن يدخل عالم السعادة والهناء والمساواة، وتبين بعد ذلك أن كل ذلك كان فيه حيف كبير، ومن ثمة انتقل الإنسان إلى البحث عن ذاته من خلال التدين. وفي جانب آخر، يوضح بنحمزة أن التدين في ذاته أصبح مطلبا فطريا في الإنسان، وليس شيئا طارئا. فالإنسان بطبيعته يبحث عن الخالق، والتدين حينما يتنامى فذلك هو الأصل والمنتظر، و”اللا تدين” هو الغريب في حياة الإنسان. ويرفض بنحمزة أن يقتصر الحديث عن التدين لإبراز سلبية انفصال التعبدي عن السلوكي، ولكن الأهم في اعتقاده والأجدر بالبحث والتمحيص هو التدين في ذاته، لما يحققه من راحة نفسية وإيمان واستقرار، لأنه من الطبيعي أن يتم تركيب الأخلاق عليه لأن الإيمان بالله، كما قال بعض المفكرين من الفلاسفة الغربيين، “هو إيمان بالواجب”، فعندما تؤمن بالله يمكنك أن تتمثل مجموعة من القيم والمفاهيم ويصبح تدينك عنوان التعبد لله”. ويتمسك عضو المجلس العلمي الأعلى بفرضيته حينما يرفض التسليم بوجود حالة التوتر الديني في المجتمع المغربي، والحديث عن أن التعبد يطغى على الجانب السلوكي، فهذا ليس توترا في تصور بنحمزة، بقدر ما هو نتيجة طبيعية لنشوء التدين بعيدا عن قاعدة العلم. ويشدد الباحث على أن هناك شريعة يتحقق بها التدين، فحينما لا يعرف الإنسان التدين من خلالها، ويكتفي بمعرفته عن طريق الأشواق والوجدان الروحي، فلاشك أنه يتوجه توجيها خاطئا ويقع في المنهي عنه شرعا. فالتدين الذي يكون مجرد رد فعل عاطفي عن الإخفاقات أو الأزمات التي يمر منها الإنسان، ليس هو التدين المنشود بحسب مصطفى بنحمزة، فالتدين الحقيقي في اعتقاده هو الذي يجب أن ينشأ عن معرفة، وحين يكون الناس من الدين يغفلون الحقائق التي يأتي بها الدين يعتبر بنحمزة، في حديثه لـ” مغرب اليوم”، أننا سنكون أمام ممارسة دينية تنبت في البر بشكل وحشي، من غير أن يرعاها أحد، فالتدين يجب أن يهتم به الموجهون والعلماء، وحينما تكون المؤسسات الدينية قائمة بواجبها التعريفي والتعليمي لا شك أن الأمر سيكون مختلفا. وللمساهمة في علاج ما يمكن أن يقع فيه المجتمع بسبب هذا التباعد بين ما يعتقد الناس وما يمارسونه في الواقع، يتشبث مصطفى بنحمزة بالأمل وهو يتحدث عن تقييمه لدور المؤسسات العلمية الرسمية، دون أن يقر بأن المجالس العلمية المحلية التي يترأس إحدى مجالسها لا يمكنها أن تصنع العلماء، وهي تتعامل مع الموجود. وقال بنحمزة إن هذه المؤسسات الدينية القامة تستفيد من الإمكانات القانونية التي منحت لها في هذا المجال، ومن ثمة فهي ” تحتوي على خير كبير”، لأنها كيان يؤمل منه الكثير.