تجسد الرسالة الملكية التي وجهها الملك محمد السادس إلى المشاركين في المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة خارطة طريق واضحة لقطاع النقل في مدينة طنجة، في وقت تمر فيه حاضرة البوغاز بتحولات اقتصادية وعمرانية كبيرة.
ولم تكن الرسالة الملكية مجرد تأكيد على أهمية تطوير منظومة النقل والمواصلات، بل شكلت دعوة تحفيزية لجميع الفاعلين على مستوى الجهات والجماعات الترابية للانخراط الفعلي في تنفيذ مشاريع استراتيجية تهدف إلى تجاوز التحديات التي يواجهها هذا القطاع الحيوي، الذي يشكل شريان الحياة اليومي للمواطنين.
وجاءت هذه التوجيهات الملكية، بعدما وضع الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) أصبعه على مكامن الضعف في بنية النقل في طنجة، إذ سلط الضوء على الواقع الحالي الذي يعاني من العديد من النقائص، خصوصًا في مجال النقل العمومي والازدحام المروري الذي أصبح هاجسًا مستمرًا للمواطنين، سواء كانوا سائقين أو ركابًا.
وقد أكد تقرير الفيفا أن طنجة بحاجة ماسة إلى تحسين شبكة النقل لتلبية الطلب المتزايد، لا سيما في ظل استعدادات المدينة لاستضافة كأس العالم 2030، مما يفرض ضرورة التحرك العاجل لتلبية تطلعات الساكنة.
وتتقاطع التوجيهات الملكية مع تقرير الفيفا في تشخيص التحديات نفسها، وهو ما يعكس بشكل واضح ضرورة التنسيق بين السياسات الترابية والمحلية في تطوير قطاع النقل بكافة تفاصيله.
فقد أكد التقرير أن الشبكة الحالية للنقل في طنجة لا تواكب الاحتياجات الراهنة ولا المستقبلية للمدينة، وأن هناك حاجة ماسة لإعادة هيكلتها بما يتناسب مع الزيادة السكانية والاقتصادية.
ويؤكد كلا المصدرين، الرسالة الملكية وتقرير الفيفا، على أزمة النقل العمومي في طنجة، حيث تفتقر الشبكة إلى الفعالية، ويعاني المواطنون من الاختناقات المرورية في العديد من المحاور الحيوية.
كما أن غياب التنسيق بين وسائل النقل المختلفة يزيد من تعقيد الوضع ويضع ضغوطًا إضافية على قدرة المدينة على الاستجابة لمتطلباتها.
وفي هذا السياق، يشير تقرير الفيفا إلى أن هذه الأزمة تشكل تحديًا كبيرًا في إطار الاستعدادات لاحتضان المونديال، إذ من المتوقع أن تشهد المدينة تدفقًا كبيرًا للزوار والمشجعين من مختلف أنحاء العالم.
وفي ضوء هذه التحديات، يبرز التقرير الملكي باعتباره رؤية استراتيجية تتوافق تمامًا مع الضرورة الملحة لتحسين البنية التحتية للنقل في المدينة.
وشدد الملك محمد السادس على ضرورة تحسين التنقل بين مختلف المناطق وتوفير حلول نقل مستدامة تسهم في تيسير الحياة اليومية للمواطنين والزوار على حد سواء. كما أشار إلى أهمية تسريع وتيرة الإصلاحات في قطاع النقل لتعزيز قدرة المدينة على استيعاب الزيادة المتوقعة في الحركة المرورية.
ومع اقتراب استضافة طنجة لكأس العالم 2030، تصبح هذه التوجيهات أكثر إلحاحًا، حيث تشكل هذه الاستضافة فرصة ذهبية لتحديث بنية النقل بشكل شامل. فالتحسينات المقترحة، سواء من خلال تحديث أسطول الحافلات أو تعزيز شبكة القطارات أو توسيع الطرق، يجب أن تكون جزءًا من استراتيجية شاملة تضمن تحقيق التكامل بين مختلف وسائل النقل.
وإذا كانت الرسالة الملكية تدعو إلى تسريع تنفيذ المشاريع الطموحة لتطوير قطاع النقل، فإن تقرير الفيفا يعكس تضافرًا قويًا بين الجهود الدولية والمحلية لتطوير طنجة كمركز حضاري مستدام.
وبذلك، تصبح هذه التوجيهات خارطة طريق لتنفيذ مشروعات عاجلة تسهم في رفع مستوى الخدمات، وتعزز قدرة المدينة على المنافسة في الساحة الدولية، خاصة في ظل الاستعدادات الكبيرة التي تشهدها طنجة في إطار استضافة كأس العالم 2030.