يتفادى العديد من المارين لساحة “الجامعة العربية” في مدينة طنجة، ولوج حديقة “السوريين” ويكتفون بالسير نحو وجهتهم فوق الأرصفة المحيطة لهذا الفضاء الأخضر ذات المساحة المهمة.
أما الذين يفضلون اختصار مسافة طريقهم، فإنهم من دون شك سيمرون على العديد من المشاهد البنيوية والمظاهر المشينة التي تشوه جمالية هذه الحديقة التي تكتسي رمزية كبيرة لدى سكان طنجة، اعتبارا لوجود مسجد السوريين الشهير بجانبها، والذي يعتقد أن هذه الحديقة استمدت اسمها منه ومن الحي الذي تقطنه العديد من العائلات السورية .
تكاد لا توجد حديقة عمومية بمدينة طنجة، تضاهي في شهرتها حديقة السوريين، على الأقل لدى سكان المدينة، نظرا لاحتلالها موقعا استراتيجيا بـ”عروس الشمال”، لكن شهرة هذه الحديقة لم يوازها الاهتمام اللازم بها، فتحولت من معلمة تزين وسط المدينة إلى فضاء يخدش صورتها لما لحقها من إهمال طيلة عقود.
ولا يقتصر الإهمال الذي طال حديقة السوريين التي من المفروض أن توفر راحة نفسية وسكينة لقاصديها على عدم العناية بعشبها وشجيراتها القليلة؛ بل يعاني أيضا من قلة النظافة، حيث تبدو الأزبال بارزة وحتى الفضلات البشرية متناثرة هنا وهناك.
وإذا كان الإهمال قد طال أرضية الحديقة التي لم تعد خضراء كما يفترض ذلك، فإن يد التخريب طالت الأعمدة الكهربائية التي كانت تزين هذا الفضاء، مما يحول الحديقة ليلا إلى فضاء مظلم يهاب المرء الدخول إليه.
لا بد أن يشد انتباهك محيط هذه الحديقة العامر بنسوة من مختلف الأعمار، يقفن مترقبات، بعضهن يلبسن جلابيبهن، يطلبن صدقات ومساعدات، وأخريات يظهر من هندامهن ونظراتهن أنهن يقفن بالمكان لغرض آخر. هن فتيات من مختلف الأعمار يتربصن بالباحثين عن اللحم الرخيص، حيث يتوزعن على جنبات متفرقة من الحديقة هنا وهناك، موزعات ابتساماتهن وغمزاتهن على كل من حدق فيهن من المارة والزوار.
وليست بائعات الهوى لوحدهن من اخترن فضاء حديقة “السوريين” لممارسة نشاطهن، بل ينافسهن في اقتسام أرجائها مدمنو المخدرات والخمور، إذ أنه مع قلة الإنارة العمومية في أرجاء الحديقة، يتحول هذا الفضاء، خصوصا في الفترة المسائية، إلى ملاذ مفضل للكثير من الأشخاص لتعاطي هذه الممنوعات وإتيان مختلف الممارسات الشاذة.
وإذا كانت البنية التحتية لحديقة “السوريين” قد تعرضت للتلف بفعل الزمن وبسبب تخريب الإنسان، فإن أشجار الحديقة ليست هي الأخرى في أحسن حال، كما هو الشأن بالنسبة إلى بعض الشجيرات المثمرة التي أضحت ذابلة فأسقطت ثمارها قبل أن تنضج.