على بعد بضعة كيلومترات فقط من صخب مدينة طنجة، تركن منطقة “خندق كور”، ذلك التل الذي يعكس ارتباطًا عميقًا بين الإنسان والطبيعة.
وتعتبر المنطقة التي تتزين بغطاء نباتي كثيف ومنابع مائية غزيرة، أكثر من مجرد نقطة في الخريطة؛ إنها شريان حياة لمجموعة من السكان الذين يعوّلون على مياهها العذبة كمصدر للراحة الجسدية والنفسية.
“الماء هنا ليس مجرد مورد، بل هو حياة”، يقول عبد الحكيم الخمال، أحد أبناء المنطقة، الذي تولى مهمة الحفاظ على هذا المنبع الذي يعتبره سكان المنطقة “رئة خندق كور”.
وأضاف الخمال، الذي يحظى باحترام كبير في المنطقة بسبب تفانيه في العناية بهذا المورد الحيوي، “الناس يأتون من كل مكان ليملأوا أوانيهم بمياه العين النقية. وأنا أعتبر حمايتها واجبًا قبل أن تكون مسؤولية.”
وتعود أهمية المنطقة إلى تاريخها العريق الذي يبدأ مع وصول الأندلسيين في القرن الخامس عشر، حيث استقروا في هذه الأرض الخصبة وطوروا قراهم بفضل مواردها الطبيعية.
ومع تحول طنجة إلى مركز تجاري وعسكري مهم، أصبح “خندق كور” جزءًا من خط الدفاع عن المدينة. غير أن هذه المنطقة، التي كانت يومًا ملاذًا طبيعيًا بعيدًا عن صخب الحياة الحضرية، تواجه اليوم تهديدات كبيرة نتيجة الزحف العمراني السريع.
ويشكل التوسع العمراني في طنجة تهديدا حفيقيا لخصوصيات “خندق كور” البيئية، حيث باتت مساحة الغطاء النباتي تتراجع وتختفي تدريجيًا التنوع البيولوجي الذي كان يميز المنطقة.
“إذا لم نتحرك الآن، سنفقد هذا المكان للأبد. الحفاظ على المنبع ليس فقط حماية للماء، بل هو إنقاذ لروح هذه الأرض”، يحذر عبد الحكيم الخمال، موجهًا نداءً للسلطات والفعاليات المدنية.
ومع تصاعد هذه المخاوف، يطالب العديد من سكان المنطقة بتصنيف “خندق كور” كمحمية طبيعية، مؤكدين أن حماية هذا المورد المائي يجب أن تكون أولوية.
ويعتبر المنبع المائي مصدرًا أساسيًا للمياه العذبة التي تروي العديد من الأحياء المجاورة، مما يعزز أهمية الحفاظ عليه للأجيال القادمة.
إضافة إلى أهميتها البيئية، تتمتع “خندق كور” بقيمة ثقافية. يقول البعض إن التسمية مستمدة من صوت الحمام، الذي يُعرف في اللهجة المحلية بـ”كور”، في إشارة إلى هديل الحمام الذي يملأ الأجواء في المنطقة. هذه الحكاية الشعبية تضفي على المكان بعدًا شاعريًا، مما يضيف عمقًا تاريخيًا وجماليًا لهذا المعلم الطبيعي.
وفي وقت تتسارع فيه التغيرات البيئية والتمدن، تظل “خندق كور” رمزًا للصمود والتحدي. هي اليوم ليست مجرد منطقة طبيعية، بل جزء لا يتجزأ من هوية طنجة، التي تدعو الجميع للعمل على الحفاظ عليها كإرث حيوي للأجيال القادمة.