بقلم: البشير الحداد الكبير*
شهد العالم على التدبير الفعال والناجع للسلطات العمومية في مواجهة آثار الزلزال، اذ أنه في ظرف وجيز لا يتعدى 10 أيام بعد الزلزال، حتى بدأت الحياة تعود لوتيرتها بشكل طبيعي في المناطق المنكوبة وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على قوة الدولة المغربية في تدبير الأزمات.
منذ بداية الزلزال إلى اليوم، لاحظنا الرؤية الملكية الثاقبة والمتبصرة في تدبير هذه الكارثة الطبيعية، إذ تم عقد 3 جلسات عمل تفصل بينهما مدة 5 أيام، جلسة عمل الأولى بتاريخ 9 شتنبر 2023، جلسة عمل الثانية بتاريخ 14 شتنبر، والثالثة بتاريخ 20 شتنبر، إننا أمام الملكية المُتكلمة، التي تتكلم بالأفعال والمشاريع والبرامج، إننا أمام ملكية الجدية والإخلاص للمصالح العليا للوطن، إننا أمام ملكية الجِّد والعمل،فجلسات العمل تعتبر عرفا دستوريا يتم اللجوء إليها حسب السلطة التقديرية لجلالة الملك حفظه الله ورعاه، وقد تم اللجوء إلى جلسات العمل مثلا في تدبير جائحة كورونا كما تم اللجوء إليها في تدبير أزمة المياه… إلخ.
ففي جلسة العمل الأولى تم وضع خارطة الطريق واضحة المعالم لمواجهة آثار الزلزال ومن بين مضامينها وضع البرنامج الإستعجالي، وفي جلسة العمل الثانية، دخلنا لمرحلة تقديم البرنامج الإستعجالي بين يدي جلالة الملك أسماه الله وأعز أمره، والذي تم إعداده في ظرف قياسي تنفيذا للتعليمات الملكية السامية، إذ هم إعادة إيواء المتضررين وإعادة إعمار المنازل سواء التي دُمرت بشكل كلي أو جزءي، فقد تم تخصيص 3 ملايين سنتيم للأسر المتضررة المعنية، بالإضافة ل14 مليون سنتيم للمنازل المُهدمة بشكل كلي، ثم 8 مليون سنتيم للمنازل التي هُدمت بشكل جزءي، وستتم عملية إعادة الإعمار وفق دراسة تقنية هندسية دقيقة مع إحترام خصوصيات المناطق المنكوبة، كما تم التطرق في الجلسة الثانية لإجراء عملية إحصاء للأطفال اليتامى وإعطاءهم صفة مكفولي الأمة، ومن كل هذا نرى إحتضان الدولة المغربية الإجتماعية لمواطنيها، إننا أمام دولة الأمة تحت القيادة الرشيدة والمتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، أما في جلسة العمل الثالثة، فإننا إنتقلنا لمرحلة الأجرأة والتنفيذ على أرض الواقع، بمعنى أننا أمام ملكية مواطنة تضع مصالح المواطنات والمواطنين في أولى أولوياتها، وكما أكد جلالة الملك حفظه الله ورعاه في الخطاب الملكي السامي بمناسبة ذكرى عيد العرش المجيد سنة 2017 على أن تدبير شؤون المواطنين وخدمة مصالحهم أمانة جسيمة ومسؤولية وطنية لا تقبل التهاون ولا التأخير، فجلالة الملك نصره الله وأيده يعطي دروسا في الوطنية لمختلف النخب السياسية بأن تضع المغرب والمغاربة في أولى أولوياتها، ولقد تضمنت جلسة العمل الثالثة، إعادة بناء المساكن والتأهيل العام للمناطق المتضررة من الزلزال، إذ تم وضع ميزانية شاملة بلغت 120 مليار درهم على مدى 5 سنوات، تهم 6 عمالات وأقاليم مستهدفة 4.2 مليون نسمة، إننا أمام ملكية تلتزم بالمدة الزمنية في تنزيل المشاريع من خلال اعتمادها على مبادئ التدبير العمومي الجديد من قبيل الحكامة الجيدة والتدقيق والمراقبة والتتبع المستمر، بمعنى ملكية تشتغل بالأهداف والنتائج، وهذا ما جاء به الدستور المالي أي القانون التنظيمي 130.13 المتعلق بالمالية العمومية، إننا أمام ملكية تقوم بالتشخيص الدقيق للمشكل العمومي وتقوم بوضع تصور عام له وفق مقاربة تشاركية، وتحدد له الأهداف والوسائل لتحقيقه.(تجدر الإشارة أن المسؤوليين المشاركين في جلسة العمل الثانية هم نفسهم في جلسة العمل الثالثة)
لقد ارتكز برنامج إعادة بناء المساكن وتأهيل البنيات التحتية وتعزيز التنمية الإجتماعية والإقتصادية الذي تضمنته جلسة العمل الثالثة على 4 محاور أساسية، وهي كالتالي :
* إعادة إيواء السكان المتضررين وإعادة بناء المساكن وإعادة تأهيل البنيات التحتية ؛
* فك العزلة وتأهيل المجالات الترابية ؛
* تسريع إمتصاص العجز الإجتماعي في المناطق الجبلية المتضررة ؛
* تشجيع الأنشطة الإقتصادية والشغل وتثمين المبادرات المحلية.
وسيتم الحرص على البعد البيئي في تنزيل هذا البرنامج وإحترام التراث وتقاليد الساكنة بتلك المناطق المتضررة مع الإنصات الدائم لهم تنزيلا للتعليمات الملكية السامية وتماشيا مع المفهوم الجديد للسلطة الذي تحدث عنه جلالة الملك أسماه الله وأعز أمره في الخطاب الملكي السامي بتاريخ 12 أكتوبر 1999.
كما أن هذا البرنامج سيتضمن إحداث منصة كبرى للمخزون والإحتياطات الأولية من خيام وأغطية وأَسِرَّة وأدوية ومواد غذائية بكل جهة قصد التصدي الفوري للكوارث الطبيعية، وبالتالي نلاحظ أن المؤسسة الملكية تشتغل بمنطق التدبير الإستراتيجي على المدى البعيد والمتوسط وتشتغل وفق تدبير توقعي لمواجهة الأزمات، ونلاحظ أن القانون 54.19 المتعلق بميثاق المرافق العمومية قد جاء بمصطلح التدبير التوقعي لمواجهة الأزمات، فجلالة الملك حفظه الله ورعاه يريد من النخب السياسية والإدارية أن تنتقل من نمط التسيير التقليدي لشؤون الدولة إلى نمط التدبير العمومي الحديث الذي من أهم مقوماته “التخطيط الاستراتيجي”، وبخصوص هذا المخزون الإستراتيجي فتجدر الإشارة أن جلالة الملك أسماه الله وأعز أمره في الخطاب الملكي السامي بمناسبة افتتاح البرلمان سنة 2021 كان قد تحدث عنه، بمعنى أننا أمام ملكية لديها نظرة ورؤية سديدة، متبصرة وحكيمة.
لقد سبق لجلالة الملك حفظه الله ورعاه في الخطاب الملكي السامي بمناسبة افتتاح البرلمان سنة 2019 أن أكد أنه مهما بلغ صواب القرارت المتخذة والمشاريع المبرمجة فإن تنفيذها يحتاج للتمويل، لهذا نلاحظ أنه في جلسة العمل الثالثة تطرق جلالة الملك لجميع الأمور المتعلقة بتنزيل البرنامج السالف ذكره، فقد تطرق جلالته نصره الله وأيده للتمويل، حيث أن تنزيل هذا البرنامج سيعتمد على تمويل الميزانية العامة للدولة، ومساهمة الجماعات الترابية، والحساب المخصص لتدبير الآثار المترتبة على الزلزال(الحساب سبق التطرق له في جلسة العمل الأولى، حيث تم إحداثه تماشيا مع الفصل 70 من دستور 2011 والمادة 26 من القانون التنظيمي 130.13)، ثم الدعم والتعاون الدولي. إن مسألة الترتيب في إعتماد التمويل جد مهمة، حيث أنه سيُموَّل هذا البرنامج بالإعتماد بالدرجة الأولى على ميزانية الدولة، بمعنى أننا قوة إقليمية قادرة على مواجهة الكوارث الطبيعية بنفسها، ومسألة الدعم والتعاون الدولي تم إدراجها كنقطة أخيرة في التمويل وهذه إشارة قوية أننا قادرين بمواردنا الذاتية على تدبير هذه الكارثة الطبيعية، كما أعطى جلالته نصره الله أوامره السامية بمساهمة صندوق الحسن الثاني للتنمية الإقتصادية والإجتماعية بمبلغ 2 مليار درهم لتمويل صندوق تدبير الآثار المترتبة على الزلزال، ونفتح قوس هنا أن صندوق الحسن الثاني للتنمية الإقتصادية والإجتماعية له مكانة مهمة، حيث أحدث سنة 2002 بموجب القانون 36.01 وهو مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية والإستقلال المالي، وقد لاحظنا أن هذا الصندوق قد ساهم سنة 2020 في تمويل البرنامج المندمج لدعم ومواكبة المقاولات.
في الختام، لقد لاحظنا كيف استطاعت المملكة المغربية العلوية الشريفة أن تعيد الحياة في ظرف وجيز بالمناطق المنكوبة، رغم ما حاول ترويجه أعداء وحدتنا الترابية من أخبار زائفة، ونشر المغالطات، وظنوا بأننا سنخرج منهزمين من هذه الكارثة الطبيعية، وظنوا بأننا عاجزين على تدبير هذه الأزمة، لكن خابت ظنونهم، وتأكدوا بأننا قوة إقليمية وضمن القوى العالمية الكبرى، وبأننا نحتل الريادة الإفريقية عن جدارة واستحقاق والعالم يشهد بذلك، فقد لاحظوا أنه رغم أننا كنا أمام كارثة طبيعية، فقد قدمنا في نفس الوقت دعما لدولة ليبيا الشقيقة إثر الفيضانات التي شهدتها، وبخصوص قبول المغرب لمساعدات بعض الدول الشقيقة، لاحظنا بأن تلك الفرق الدولية تدخلت وفق المقاربة المغربية الناجعة التي تم وضعها مُسبقا من طرف السلطات العمومية المغربية.
إن المغرب بماضيه وحاضره ومستقبله أمانة في أعناقنا جميعا.
*باحث بسلك الدكتوراة بكلية الحقوق بطنجة