لو استطعت أن تنسى الجغرافيا وواقع الهجرة ومشاكل كورونا، لحسبت نفسك في مطعم شعبي في سوق “كسبراطا” أو شارع “موسى بن نصير”، أو غيرهما من الفضاءات التي تنتشر فيها مطاعم إعداد وجبات “البيصار” في مدينة طنجة. لكن حينما تستعيد إدراكك بمحيطك، فستجد أنك بالرغم من كونك داخل محل هو نسخة طبق الأصل من تلك الأماكن التي تشتهر بها “عروس الشمال” المغربي، إلا أن كل مافي الأمر هو أنك في بلدية مولنبيك، أشهر أحياء العاصمة البلجيكية بروكسيل.
وكما هو الحال في طنجة، فـ “للبيصار” في بروكسيل متخصصون يتقنون إعدادها ويتفننون في إضفاء لمساتهم الخاصة عليها، ما يجعل منها رابط وصل آخر بين مغاربة مولنبيك، خاصة أولائك المنحدرين من مدينة طنجة، وبين وطنهم الأم، حيث يؤكد الكثير من المقيمين في هذه البلدة البلجيكية، أن هذه الفضاءات الشعبية المتواجدة فيها، تشكل أكثر الأماكن التي يستشعر فيها المغاربة حنينهم لوطنهم.
وفي أحد الأحياء بقلب مولنبيك، يوجد مطعم على الطراز الشعبي المغربي، اختار له صاحبه المسمى “الحسين”، اسم “مطعم الأندلس”، كما تشير إلى ذلك لافتة مكتوبة بالأحرف اللاتنية.
ويحرص الحسين منذ 12 سنة، على تقديم خدماته لزبنائه الذين يشكل غالبيتهم أبناء وطنه، إضافة إلى أبناء جنسيات متعددة، تشكل النسيج المجتمعي لهذه البلدية البلجيكية التي تتبع إداريا إلى محافظة بروكسيل.
إكتسب مطعم “الأندلس” على مدى سنوات نشاطه في مولنبيك، زبناء أوفياء، وعشاق مولوعين تراهم جالسين بكراسي وطاولات مطعمه صيفا وشتاء، من أجل تناول هذه الوجبة المغربية الشهيرة، وغيرها أيضا من الوجبات الأخرى المستوحاة من المطبخ المغربي والطنجاوي الأصيل.
ويشكل يوم الخميس تحديدا من كل أسبوع في بلدية مولنبيك، يوم الذروة لكونه يوما للتسوق، مما يجعل تفاصيل الحياة شبيهة بما هي عليه في المناطق الشعبية بمختلف الحواضر المغربية.
هذا الرواج الذي تعرفه أسواق مولنبيك، يكون لمطعم “الأندلس”، نصيب وافر منه، من خلال إقبال أكثر من طرف عشاق “البيصار”.
وبهذا الخصوص، يقول الحسين، إنه قصته مع مهنة “بيصاري” ببروكسيل، إنطلقت عندما افتتح مطعمه الصغير سنة 2002، والذي ما زال يحتفظ فيه بطاولاته وكراسيه البسيطة، بقلب بلدة مولنبيك، التي تقيم بها أغلبية مسلمة يتحدر أغلبها من المغرب والجزائر وكذا تركيا، حيث أن الإقبال الكثيف على هذه الوجبة دفعه إلى الإستمرار ومحاولة تطويرها بإضافة توابل مختلفة تزيدها لذة، قصد خلق جو مشابه لما هو عليه الحال ببلده الأم المغرب.
ويضيف الحسين في حديث لجريدة طنجة 24 الإلكترونية، أن الزبائن اللذين يحجون على مطعمه، الذي يحمل شعار “دعنا ننقلك إلى المغرب”، أغلبهم ينحدرون من المملكة، وبالضبط من منطقة الشمال، فيما تتوزع البقية بين جزائريين وتونسيين وكذا بعض البلجيكيين ممن يعشقون الأكل المغربي أو ممن لديهم فضول لتجربته.
من جهته يعتبر عمر ن.، أحد زبناء المطعم، أن زيارته لهذا الفضاء مرة في الأسبوع أصبح أمرا ضروريا، فالأجواء الموجودة بهذا الأخير، تعيده إلى الوطن ولو للحظات معدودة، خصوصا وأنه يقدم وجبة شبيهة تماما بتلك الموجودة بطنجة، مضيفا في ذات السياق أن حتى التفاصيل الصغيرة كأطباق البصل والزيتون تجدها حاضرة على المائدة، كما هو الحال في سوق كاسابراطا أو الرميلات.
أما محمد رضا ح.، فيرى أن هذا المطعم هو إمتداد لمدينة طنجة وللطنجاويين بصفة عامة، واللذين يتواجدون بكثرة في العاصمة البلجيكية وحرموا هذه السنة من القدوم لمسقط رأسهم وقلبهم بسبب تداعيات إنتشار فيروس كورونا المستجد، مضيفا أنه لولا الأعلام الخاصة بهذا البلد الأوروبي والمنتشرة بكثرة في المنطقة، لنسى الزبون نفسه وأدى ثمن وجبته بالدرهم المغربي.
وتعد “البيصار”، عبارة عن فول مجفف مجروش يفضل أن يكون من النوع البلدي، تتم إزالة القشرة عنه ليتم طهوه في الماء مع فصوص من الثوم والتوابل وزيت الزيتون، وتقدم ساخنة مع خبز الشعير أو القمح، وبعض المرفقات من بصل وزيتون، وفلفل حار في بعض الأحيان، ونظرا لفوئدها الكثيرة جعلها سكان المنطقة الشمالية وجبة أساسية في مطبخهم، ترافقهم أينما حلوا وإرتحلوا.