على امتداد الشواطئ الهادئة لمدينة المضيق، يُخيم مشهد يختلف تمامًا عما كان عليه الحال قبل أسابيع قليلة. الرمال التي كانت مكتظة بالمصطافين والمياه الزرقاء التي اجتذبت السباحين والمراكب السياحية، أصبحت الآن مهجورة.
والشوارع التي عُرفت بحركتها النابضة خلال الصيف تبدو شبه خالية، والمقاهي التي لطالما امتلأت بضحكات العائلات والزوار أغلق الكثير منها أبوابه، وكأن المدينة دخلت في سبات شتوي يفرض نفسه كطقس موسمي على واحدة من أشهر الوجهات السياحية بشمال المغرب.
ويصف مستخدم بمطعم في المضيق، الوضع قائلًا: “في الصيف، كنا بالكاد نجد وقتًا للجلوس أو الراحة. الزبائن يملؤون المكان حتى الساعات الاولى من الصباح، لكن الآن، لا أحد يدخل المطعم إلا نادرًا.
وبحسب هذا المستخدم، فإن “السياح كانوا عماد عملنا، والآن لا يبقى لنا سوى عدد محدود من السكان المحليين، وهو بالكاد يكفي لتغطية تكاليف الكهرباء.”.
هذا الركود الذي يخيم على المضيق يمتد إلى مدينة مرتيل المجاورة، التي تواجه هي الأخرى تحديات اقتصادية بسبب موسمية النشاط التجاري والسياحي، رغم وجود المؤسسات الجامعية التي تُبقي على قدر ضئيل من الحركة.
فالمحلات التي كانت تعتمد على الزوار في الصيف وجدت نفسها الآن أمام واقع مختلف. ويوضح تاجر مواد غذائية، بالقول: “في الصيف، كنت أبيع كميات كبيرة يوميًا بفضل السياح، أما الآن فمعظم زبائني هم الطلبة الجامعيون وسكان الحي القريب.”.
ومع تراجع الحركة السياحية، يبدو أن ركود الشتاء أثر بشكل أعمق على مدينة الفنيدق، التي ما زالت تعاني من تداعيات إغلاق معبر باب سبتة عام 2020.
فالأسواق التي كانت تعج بالحركة التجارية أصبحت شبه خالية، والمحلات أغلقت أبوابها بسبب غياب الزبائن. السكان الذين اعتادوا العمل في تجارة السلع القادمة من سبتة، أصبحوا يواجهون أوضاعًا اقتصادية أكثر صعوبة.
ورغم هذه الصورة القاتمة، فإن بعض الحركة تكسر السكون بين الحين والآخر. عطلات نهاية الأسبوع تشهد تنقلات نحو معبر باب سبتة، حيث يستغل السكان الفرصة للتسوق أو زيارة الأقارب. الطرق المؤدية إلى المعبر تتحول إلى مسارات مزدحمة نسبيًا، لتعيد جزءًا صغيرًا من الحياة إلى المنطقة.
فصل الشتاء هنا ليس فقط وقتًا للهدوء، بل موسم مليء بالتحديات الاقتصادية والاجتماعية. والتجار الذين عاشوا ازدهار الصيف يضطرون الآن إلى الاعتماد على مدخراتهم لتغطية مصاريفهم اليومية. فيما يجد العمال الموسميون، ومعظمهم من الشباب، أنفسهم دون عمل، مما يزيد من معدلات البطالة ويعمق الإحساس بالركود.
المدن الثلاث المضيق، مرتيل، والفنيدق، التي لطالما وصفت بجواهر السياحة المغربية، تبدو الآن وكأنها عالقة في حالة انتظار. انتظار لصيف يعيد معها الحياة إلى الأسواق والشواطئ والمرافق السياحية. حتى ذلك الحين، تبقى هذه المدن شاهدة على وجه آخر للسياحة الموسمية، حيث تتحول من مراكز نابضة بالحياة إلى مدن تغمرها حالة من السكون والهدوء في انتظار موسم جديد.