يغص سوق المصلى الشهير يوميًا بحشود المتسوقين، تتناثر بينهم صرخات التجار الذين يعلنون عن تخفيضات مغرية، بينما تصطف واجهات المحلات مكتظة بالملابس والأحذية المعلقة بدقة على خطافات معدنية.
في كل زاوية من السوق، يتكرر المشهد ذاته: منتجات متشابهة، أسعار متقاربة، وزبائن يبحثون عن أفضل صفقة، في مشهد يعكس دينامية الحياة التجارية في طنجة، لكنه يكشف أيضًا عن مشكلة أعمق تتعلق بالتنافس المفرط وغياب الابتكار.
ويجذب سوق المصلى، الذي يعد من أقدم الأسواق الشعبية في المدينة، الزوار من مختلف الفئات الاجتماعية، إلا أن التحديات التي تواجه التجار أصبحت واضحة للعيان. يقول أحد الباعة، وهو يعيد ترتيب مجموعة من القمصان المتطابقة: “الجميع يبيع الشيء نفسه هنا. نحاول تخفيض الأسعار لجذب الزبائن، لكن الربح أصبح بالكاد يغطي التكاليف”.
على بعد خطوات قليلة، يمتد شارع مكسيك الذي يحمل طابعًا أكثر حداثة، حيث تتجاور محلات تحمل علامات تجارية معروفة مع أخرى محلية. ورغم التباين الواضح في الشكل، إلا أن المعروضات تظل متشابهة إلى حد كبير، ما يعكس تأثير ثقافة التنافس المفرط على جميع أنماط التجارة في المدينة.
في الجانب الآخر من طنجة، سوق بئر الشعيري، الذي أخذ اسمه من الحي الذي يحتضنه، يقدم نموذجًا آخر للمشهد التجاري المتكرر. الحي، الذي ارتبط بمنطقة بني مكادة تاريخيًا، يعرف حاليًا بازدحام متاجره الصغيرة التي تبيع الملابس والأحذية بأسعار تنافسية.
ومع ذلك، يشكو التجار من زيادة عدد المحلات بشكل عشوائي خلال السنوات الأخيرة. يقول أحدهم: “لم نعد نميز بين الزبون والتاجر. الكثير من المتاجر تقدم نفس المنتجات، وهذا يضعف السوق ككل”.
أما سوق كسبراطا، الذي يُعتبر من أكبر وأشهر الأسواق في طنجة، فيظل وجهة رئيسية لسكان المدينة وزوارها. ومع ذلك، فإن هذا السوق الشعبي الذي كان يعرف بالتنوع في الماضي، أصبح يعاني أيضًا من ظاهرة التكرار، حيث تجد نفس المنتجات معروضة في كل زاوية.
التنافس المفرط بين التجار أدى إلى تبعات اقتصادية واضحة، منها انخفاض الأسعار بشكل مستمر على حساب الجودة، مما يجعل الزبائن يشعرون بالخيبة أحيانًا رغم تنوع الخيارات.
يقول أحد المتسوقين في سوق المصلى: “كل شيء هنا يبدو متشابهاً، كأنك تدخل المحل نفسه مرة بعد أخرى”.
ويعزو الخبراء هذه الظاهرة إلى غياب الابتكار والخوف من المخاطرة. اذ تشير بعض التحليلات إلى أن “تكرار العروض هو نتيجة طبيعية للتجار الذين يفضلون الحلول الآمنة بدلًا من تقديم منتجات أو خدمات جديدة، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة والمخاوف من عدم نجاح الأفكار الجديدة”.
لكن بعض الحلول تلوح في الأفق، مع اقتراحات تركز على تطوير تجربة التسوق في هذه الأسواق.
ومن بين الأفكار المطروحة، إدخال خدمات تخصيص الملابس، تنظيم معارض صغيرة داخل الأسواق لترويج المنتجات الحرفية، أو حتى استغلال التكنولوجيا الحديثة لتقديم تجربة تسوق إلكترونية تناسب الزبائن الشباب.
ورغم أن هذه الأفكار تتطلب استثمارات ودعمًا من الجهات المعنية، إلا أن نجاحها يعتمد بشكل كبير على استعداد التجار لتبني التغيير والخروج من دائرة التكرار.
السوق الشعبي في طنجة ليس مجرد مكان للتجارة، بل هو جزء من الهوية الثقافية والاجتماعية للمدينة، ما يجعل الحفاظ عليه مع تطويره تحديًا يستحق الجهد.
وسط هذه الحركية، يبقى السؤال المطروح: هل ستتمكن أسواق طنجة الشعبية من الانتقال إلى نموذج أكثر ابتكارًا وتنوعًا، أم ستظل عالقة في دوامة التنافس المفرط والتشابه؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد مستقبل هذه الفضاءات التي تشكل نبض الحياة اليومية في عروس الشمال.