على بعد عشرة أشهر من الانتخابات الجهوية، الفيدرالية والأوروبية، يبدو أن للبرمجة تأثير حتمي على الدخول السياسي في بلجيكا، بالنظر إلى أن الفاعلين السياسيين يحرصون على إعادة تموقعهم وتحسين صورتهم، أكثر من الانخراط في مشاريع كبرى أو إصلاحات صعبة.
والأكيد أن هذا الأمر قائم في كل مكان، لكن على نحو أكبر في بلد يحكمه ائتلاف غير متجانس يتكون من سبعة أحزاب سياسية ذات مرجعيات مختلفة للغاية، كل منها يرغب في إعادة رص صفوفه وإبراز نهجه السياسي، وهو ما يرجح أن ينشأ عنه مناخ غير موات بما يكفي لحصول التوافقات اللازمة حتى يتم صنع القرار في إطار الائتلاف.
هكذا، فإن “فيفالدي”، التسمية التي أطلقت على الائتلاف الحاكم في بلجيكا منذ انتخابات أكتوبر 2020، يتألف من سبعة أحزاب عادة ما تكون متعارضة، وهي الاشتراكيون الوالونيون (الحزب الاشتراكي)، والفلامانيون (فورويت)، والليبراليون الوالونيون (الحركة الإصلاحية) والفلامانيون (أوبن في إل دي)، والخضر الوالونيون (إيكولو) والفلامانيون (غروين)، والمسيحيون الديمقراطيون (الحزب المسيحي الديمقراطي الفلاماني).
ومن الواضح أنه حتى قبل هذا الدخول السياسي، ضاعفت الشخصيات السياسية من المواقف المتخذة، والتي تعكس مرجعيات الهيئات السياسية التي تنتمي إليها، مع تصريحات صريحة وانتقادات أكثر فأكثر وضوحا اتجاه التيارات السياسية الأخرى، ما يحيل على نوع من “الإحماء” ما قبل انتخابي.
دخول أقل طموحا
بوادر هذه الصعوبات في الحكم مع اقتراب الانتخابات ظهرت حتى قبل الدخول السياسي الحالي، لاسيما بعد فشل المفاوضات في يوليوز الماضي حول الإصلاح الضريبي، والتي أجمعت أحزاب الائتلاف على اعتباره ضروريا، في حين أن لكل منها رؤية مختلفة حول أهداف هذا الإصلاح والإجراءات الواجب اتخاذها.
هو فشل يعترف به ويتحمل مسؤوليته رئيس الوزراء البلجيكي، ألكسندر دو كرو (أوبن في إل دي)، الذي ذهب إلى حد إغلاق الباب أمام أي استئناف للمفاوضات حول هذا الملف قبل الانتخابات المقررة في 9 يونيو 2024، بحجة أن مناقشات يوليوز أظهرت أن مثل هذا الإصلاح من شأنه زيادة ثقل الميزانية، وهو قرار لم يكن ليتخذه في هذا التوقيت.
وأوضح أنه “خلال أزمة (كوفيد-19)، فعلنا الكثير لدعم المواطنين والشركات. ومع خروجنا من الأزمة، أعتقد أن الجميع سيفهمون أنه ليس بوسعنا تحمل تكاليف الشروع في مغامرات من شأنها إثقال الميزانية أكثر فأكثر”.
أولوية الميزانية
وسيتعين على ائتلاف “فيفالدي” الانكباب على ملف بالغ الأهمية يتعلق بإعداد ميزانية 2024. وهي المهمة التي لن تكون سهلة، بحسب المراقبين، لاسيما وأن بلجيكا لا تزال، على المستويين الفيدرالي والجهوي، فوق مستوى العجز بنسبة 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الذي تجيزه المفوضية الأوروبية.
وفي الواقع، اعتبارا من العام 2024، سيتم رفع بند الاستثناء الأوروبي الذي منح هامشا معينا للدول الأعضاء في تدبير شؤون الميزانية، ما يعني أن الجهاز التنفيذي الأوروبي سيدقق بقدر أكبر من الاهتمام في الإنفاق العام للبلدان التي تعاني من العجز.
وستستمر ملفات أخرى في جذب الانتباه خلال الفترة المقبلة، مثل أزمة استقبال طالبي اللجوء، الذين يواجهون إشكالية عدم توفر أماكن الاستقبال في المؤسسات المخصصة، والتمديد للمحطتين النوويتين “دويل 4″ و”تيهانج 3” المتوقفتين عن الاشتغال في انتظار ضوء أخضر أوروبي متوقع في ربيع 2024، أو المسألة الأمنية التي تثير قلقا متزايدا، لاسيما في العاصمة البلجيكية.
لكن قبل كل شيء، سيتعين على تحالف “فيفالدي” أن يرتقي إلى مستوى التحدي الأوروبي، وهو التحدي المتمثل في الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي، الذي يرتقب أن تتولاها بلجيكا خلال النصف الأول من العام 2024، مع برنامج يشمل قضايا رئيسية من قبيل ميثاق الهجرة أو الصفقة الخضراء، وهي المواضيع التي يتعين على السلطة التنفيذية البلجيكية التفاوض بشأنها، باسم المجلس، مع البرلمان الأوروبي.
ويظل الوضع خاصا لأنه سيكون من اللازم التوصل إلى اتفاقات بشأن القضايا الحساسة بحلول نهاية أبريل، أي قبل بدء الحملة الانتخابية برسم استحقاقات يونيو.
وفي انتظار ذلك، دخلت الأحزاب السياسية بالفعل المرحلة ما قبل الانتخابية، حيث أن العديد منها نظمت فعاليات في نهاية الأسبوع الماضي قصد افتتاح الدخول السياسي، وتعبئة المناصرين وتحديد الوجهة في أفق الاستحقاقات المقبلة.