في مشهد التدبير الجماعي بمدينة طنجة، يبرز اسم سمية العشيري كنائبة لعمدة المدينة، لكن ليس بوصفها فاعلة تُراكم الإنجازات، بل كرقم مثير للجدل داخل تركيبة المجلس الجماعي.
فمنذ أن دخلت المجلس الجماعي، لم يكن حضورها سوى سلسلة من الأخطاء والتجاوزات التي قادتها إلى عزلة سياسية داخل التنظيم الذي أوصلها إلى هذا المنصب، قبل أن تجد نفسها اليوم على هامش المشهد، لا هي قادرة على تدبير الملفات التي أوكلت إليها، ولا هي قادرة على تأمين موقع سياسي يحميها من تداعيات قراراتها.
منذ البداية، لم تكن العشيري مشروعا سياسيا متكاملا بقدر ما كانت نتاج توازنات حزبية أفرزت مجلسًا جماعيا يوصف بأنه “هش” في تركيبته.
ورغم انتمائها لحزب الاستقلال، أحد أقطاب الائتلاف المسير للمجلس الجماعي، إلا أنها لم تستطع تثبيت أقدامها داخل دوائر القرار الحزبي، بل على العكس، أثبتت أنها أكثر براعة في مخالفة توجيهاته، إلى درجة دفعت قيادة الحزب إلى تجميد عضويتها بعد تمردها على قراراته داخل المجلس الجماعي.
ولم يكن هذا القرار مجرد رد فعل تنظيمي، بل كان بمثابة إعلان رسمي على أن العشيري لم تعد تمثل الحزب سياسيا، حتى وإن كانت ما تزال تحمل صفته داخل المجلس.
فلقد تحولت المعنية بالأمر إلى مسؤولة منتخبة تعيش خارج سرب التنظيم، بلا وزن حقيقي، مجرد نائبة معلقة لا تجد من يدافع عنها حتى بين رفاقها.
لكن العزلة السياسية لم تكن أكبر مشاكلها، فحتى على مستوى تدبير الشأن المحلي، لم يكن أداء العشيري أحسن حالًا. حيث كانت قراراتها في تدبير بعض الملفات الجماعية أقرب إلى الارتجال منها إلى التخطيط، وهو ما تجلى بوضوح في واقعة تغيير إشارات التشوير الطرقي في أحد أحياء المدينة، وهو القرار الذي أثار غضب السكان والتجار بعدما تحولت بعض الشوارع إلى مصائد مرورية بسبب قرارات غير مدروسة.
وحين وُوجِهت بانتقادات حادة، لم تجد العشيري سوى خطاب دفاعي أقرب إلى التبرير منه إلى تقديم تفسير عقلاني لمسؤولية فاعل جماعي يُفترض أن يكون جزءًا من الحل لا جزءًا من المشكلة.
لكن اللافت في مسار العشيري هو أنها لم تتعلم شيئًا من أخطائها، بل استمرت في السير على نفس النهج، وكأنها تؤكد أن خياراتها الفردية أهم من أي التزامات سياسية أو مؤسساتية.
فعندما حان وقت التصويت على انتخاب نائب جديد للعمدة، اختارت أن تتحدى حزبها وتصوّت لصالح مرشح من حزب آخر، في خطوة لم تكن مجرد تصرف فردي، بل إعلان صريح على أنها تضع مصلحتها الخاصة فوق كل اعتبار حزبي.
هذه الرصاصة الطائشة أصابت علاقتها بحزب الاستقلال في مقتل، وكانت كفيلة بأن تسدل الستار على مستقبلها السياسي داخل التنظيم، بعدما تحولت إلى نموذج لمن يفقد البوصلة وسط معادلات سياسية معقدة.
المفارقة أن كل هذا التخبط لم يكن نتيجة ضغط سياسي خارجي، بل كان وليد قراراتها الشخصية التي لم تكن تتطلب سوى الحد الأدنى من الذكاء السياسي لتجنبها.
فمن الواضح أن العشيري دخلت المجلس الجماعي برغبة في إثبات ذاتها، لكنها لم تدرك أن العمل السياسي لا يُدار بالنوايا وحدها، بل بمنطق المصالح والتوازنات.
فبين إصرارها على اتخاذ قرارات أحادية، وغياب أي رؤية استراتيجية في تدبير الملفات التي أوكلت إليها، يبدو أنها أضاعت كل أوراقها في ظرف قياسي، حتى قبل أن تنجح في ترسيخ نفسها كرقم صعب داخل المجلس الجماعي.
اليوم، تجد سمية العشيري نفسها في وضع لا تُحسد عليه، بلا دعم سياسي، وبلا إنجازات يُمكن أن تُحسب لها في تدبير المدينة، وبلا قدرة على إعادة ترميم علاقتها بحزبها.
وبينما ينتظر سكان طنجة حلولًا لمشاكلهم اليومية، يبدو أن نائبة العمدة لا تزال عالقة في صراعاتها الخاصة، غير قادرة على استيعاب أن العمل الجماعي لا يُدار بالرغبات الشخصية، بل بقدرة حقيقية على تحقيق التوازن بين الطموح والمسؤولية.