كريمة حاجي – و م ع: إلى جانب فضائله العديدة والعميمة، قد تنضاف إلى شهر الصيام نعمة أخرى يتطلع العديد من المدخنين إلى اغتنامها في رمضان الذي يعد فرصتهم الأمثل للخلاص من قيد هذه العادة السيئة إلى الأبد، حافزهم في ذلك إحجامهم عن التدخين خلال ساعات الصيام الطويلة (حوالي 15 ساعة) على مدى شهر كامل.
ولعل ما يزيد من حماسة الكثيرين هذه السنة ويشجعهم على خوض تجربة التخلص من “استعباد” السيجارة لهم، بثقة وعزيمة كبيرتين، هو القيود الاحترازية التي تم فرضها لمواجهة تفشي فيروس كورونا. فيصح القول “رب ضارة نافعة” لينطبق على مدخنين ك ثر صب قرار إغلاق المقاهي بعد الإفطار في صالحهم وجعلهم أكثر تصميما على عدم تفويت هذه الفرصة المثالية لجعل رمضان “نقطة نهاية” سلوك طائش يكلفهم الكثير على مستوى صحتهم الجسدية والنفسية، فضلا عن استنزافه لمدخولهم المادي.
كما أن الأجواء الروحانية التي تميز هذا الشهر الفضيل تبعث في نفوس المدخنين قوة الإرادة والعزيمة على الامتثال لمبادىء الدين الإسلامي الذي يحرم على الإنسان الإضرار ببدنه وبالمحيطين به الذين يصبحون بسببه “مدخنين سلبيين”.
وتعج العديد من مجموعات “المقلعين عن التدخين” على وسائل التواصل الاجتماعي، بتجارب الإقلاع عن التبغ التي يخوضها المدخنون منذ بداية هذا الشهر، فمنهم من يستفسر عن الخطوات العملية التي تساعده في معركته ضد التدخين، ومنهم من يسرد تجربته في هذا المضمار والسبل التي مكنته من جعل حلم الخلاص من السيجارة واقعا حقيقيا، وذلك في أجواء من التضامن والتعاطف الكبيرين تنم عن إرادة جماعية للتحرر من قيد السيجارة، ومساعدة بعضهم البعض على الثبات على ذلك بعد رمضان.
وقبل أيام قليلة عن انقضاء شهر رمضان، تتكثف الدعوات في صفوف المدخنين لاستنهاض الهمم وعدم التواني في بذل كل الجهود للانتصار في معركة التخلص من إدمان النيكوتين.
ولتسليط الضوء على المزايا التي يتيحها الصيام للمدخنين من أجل التوقف عن هذه العادة السيئة، تؤكد الدكتورة حنان لعرج، الأخصائية في الأمراض التنفسية والحساسية والمتخصصة في الإقلاع عن التدخين، أن رمضان يشكل بالفعل فرصة ذهبية للإقلاع عن التدخين أو على الأقل البدء في التفكير جديا في ذلك، موضحة أن “الصوم له غاية كبرى هي التخلص من السموم”، قبل أن تتساءل “وهل هناك من سم أكبر من التدخين !”.
كما أبرزت في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن رمضان يشكل مناسبة ثمينة لكي ينتبه المدخن إلى أنه يستطيع البقاء لساعات طويلة دون تدخين، موضحة أن “المدخن غالبا ما يربط السيجارة بوضعيات وحالات معينة، كالتركيز في العمل وحالات التوتر وعند الشعور بالملل، إلا أنه يجد نفسه في أيام رمضان يقوم بعمله ويحل مشاكله ويتخطى وضعيات صعبة وكل ذلك دون أن يدخن. وبالتالي فإن هذا الشهر يعد فرصة للمدخن لكي يقتنع بأن التدخين ليس له أي دور إيجابي في حياته”.
وبخصوص الخطوات العملية التي يجب اتباعها للنجاح في الإقلاع عن السيجارة، توقفت الأخصائية أولا عند ضرورة الاستعداد النفسي لذلك “أي أنه يجب على المدخن أن يخوض هذه التجربة بنفسية إيجابية، وهو فخور ومقتنع بقراره، وأن يدرك بأن كل ما يربطه بالتدخين هو فقط وهم، وأنه لا يحتاج للسيجارة بتاتا. كما أن كل ما ينتظره بعد التدخين سيكون إيجابيا لا من الناحية الصحية أو المادية وخاصة من الناحية النفسية”. كما ركزت على أهمية تغيير المدخنين لعاداتهم اليومية السابقة بعادات أخرى “لأن التدخين غالبا ما يكون مرتبطا بعادات محددة من الضروري تبديلها، فالدماغ سيذكر المدخن بالسيجارة كلما مر بتلك الوضعية أو بتلك الحالة. فعلى سبيل المثال موعد شرب المدخن لفنجان قهوة يرتبط عنده بأخذ السيجارة”، داعية إياهم إلى استبدال السيجارة بشيء آخر كالفواكه الجافة أو علكة أو فواكه طازجة وغيرها من المواد الغذائية التي لا تكسبهم الوزن، لأن الكثير من الناس يزداد وزنهم بعد الإقلاع عن التبغ بسبب تغيير عادة السيجارة بمواد غذائية غير صحية.
وضمن الخطوات العملية أيضا، أشارت الأخصائية إلى ضرورة شرب الماء بالقدر الكافي وممارسة الرياضة، وخاصة المشي، لكي يتمكن المدخن من تجاوز المراحل التي سيشعر فيها بالرغبة في التدخين، مسجلة أنه يجب أن يقتنع المدخن بأن الأمر يتعلق برغبة عابرة وأنه إذا انشغل بأمور أخرى، ستمر مرور الكرام في بضع ثوان.
ومن القواعد الذهبية الأخرى التي يجب استحضارها بعد الإقلاع عن التدخين، تضيف السيدة حنان لعرج، ضرورة عدم وضع الشخص ولو سيجارة واحدة في فمه حتى لا يسقط مجددا في فخ الإدمان على النيكوتين.
ومن جهة أخرى، أبرزت المختصة أن هناك مدخنين استطاعوا الإقلاع عن التبغ بدون مساعدة أي شخص، وآخرون يجدون صعوبة في ذلك، مشيرة إلى أن المختصين يعملون على إرشادهم ومساعدتهم على ذلك. وعما إذا كانت هناك أعراض معينة مصاحبة للإقلاع عن التدخين، أبرزت حنان لعرج أن تلك الأعراض تختلف من شخص إلى آخر، وهي نفسية أكثر من كونها جسدية. فكل الأعراض الجسدية، تضيف الأخصائية، تكون إيجابية “لأنه يتم تسجيل تحسن على مستوى التنفس والدورة الدموية والنوم ولون البشرة. لكن ما يتخوف منه المدخن عند الإقلاع هو عدم التحكم في أعصابه وتوتره وأنه لن يتمكن من التركيز في عمله. وهذه الأعراض يمكن تجاوزها بسهولة إذا استعد المدخن نفسيا للإقلاع عن التدخين وشرع في هذه الخطوة بطاقة إيجابية وبتفاؤل”.
وخلصت الأخصائية إلى أن المدخنين يدركون جيدا المنافع التي سيجنونها بعد تخليهم عن السيجارة، وأهمها الراحة النفسية “فالمدخن هو أول من يحس بآثار التدخين على صحته لأنه يستيقظ كل يوم وتنفسه صعب ويعاني من الكحة والبلغم ويرى التغير الذي يطرأ على لون بشرته ويحس بأن صحته تتدهور بسبب +استعباد+ السيجارة له. كما أن صوت ضميره يذكره في كل حين بأن ما يقوم به شيء ضار ومميت. وبذلك يشكل الإقلاع الحل الذي سيتيح له العيش في سلم نفسي وهذا لا يقدر بثمن”.