بروفايل بقلم: السعيد قدري
في الصورة: جانب من أعمال الفنان عبد الغني الدهدوه
كم هو جميل أن يكون رسام الكاريكاتير شخصا اجتماعيا، يتعايش مع مشاكل المجتمع اليومية والمعاشة حتى يساعد في إيجاد حل لها.
كم هو جميل أن يكون ذا ثقافة واسعة وسريع البديهة ولماحاً لترجمة الواقع والأحداث الحاصلة بأسلوب كاريكاتوري حتى يصل إلى الفهم المطلوب دون سخرية أو تجريح.
وكم هو جميل أن يكون الدهدوه ابن طنجة رسام كاريكاتير أثارت رسوماته إعجاب الكثيرين، وشكلت خطوطه القوية في الرسم والمكونة لصياغات فكرية تقرأها شرائح عديدة من الناس بمختلف ثقافاتهم وجنسياتهم.
انه عبد الغني الدهدوه الرسام الذي أقام الجهاد الصامت، ومن ركن صامت بطنجة، وانزوى بعيدا عن طوابير الناس الذين انتظروا ولا يزالوا توقيع قنصلية أو سفارة لتمنحهم فيزا شينغن…
الدهدوه لم يكلف نفسه عناء انجاز كل هذه الوثائق…لا بل رحلته رسوماته إلى العراق، إلى بلاد العم سام إلى الجزائر، إلى فلسطين، إلى لبنان، وعاد من بعيد ليمرغ انف الفاسيين والأحزاب المغربية، وكل من أراد أن يختلي لنفسه بشرب حليب قلنسوة المال العام، في التراب، قاومهم بسلاح الليل والصباح، ونثر في وجوههم ماء الحلزون الدافئ.
ليس متظاهرًا مثل بقية المتظاهرين- يقول احد أصدقاءه- لا يهتف، ولا يصرخ، ولا يناقش، ولا يمشي يميناً ويسارًا، ولا يلبس «جينز» و(تي شيرت)، ولا يرقد…لماذا ؟ لأنه بطباعه فهمت جزء من رسالته إلى الناس، إلى اللذين يتصفحوا جريدة “المساء” بحثا عن تلك البقعة المجنونة التي زاحم فيها الدهدوه أفكار حمدي قنديل واحمد منصور، ومحمد كريشان،حمل لافتة أنيقة مطبوعة على صفحة يقود قطارها البخاري بهدوء، تتعالى من رسوماته معاني النقاش والجدل، عبر إجابات قصيرة وهادئة لمن يسأل سؤالاً سريعاً.
وخلال مسيرته الفنية والمهنية التي يواصلها بالعمل، أثبت الدهدوه في كل هذه المحطات رصانة تجربته الفنية وعطائه المتميز وفهمه العميق لمسؤولية رسام الكاريكاتير في المجتمع.
جذب إليه كثيراً من الناس؛ لسهولة عرضه، وبساطة فكرته، وطرفة مضمونه، أو سخريته في بعض الأوقات.. هذا الفن الناشئ في صحافتنا غدا اليوم فناً ذا أهمية، وهذا عائد إلى فلسفة وسياسة الدهدوه الذي جعل الأنظار يوما تتجه لطنجة باستقدامه لأبناء جلدته رسامي الكاريكاتير المغاربة ومن العالم العربي، فانبثقت الفكرة، وأعلن عن مولود جمعية عنت مخاضا طريفا لم يجد لها الدهدوه جرعة أنسولين لإثباتها.
يجيبك عبد الغني الدهدوه: “رضاء الناس غاية لا تدرك.. فهناك من يقرأ الكاريكاتير لكي يرفه عن نفسه، أو لكي يبتسم، وهناك من يقرأ الكاريكاتير بعد افتراض سوء النية لدى الرسام، فتجده يئول ويحور ويتصيد الأخطاء.. ولكن متى ما كان الكاريكاتير واضح ويلامس هموم شريحة كبيرة من المجتمع تجد ردة فعل جيدة.. وأيضاً متى ما نزلت الفكرة بشكل عمودي وقوي على المتلقي كلما كانت ردة الفعل بنفس الحدة والقوة”.
لا تحكم هذا الفنان الذي ولد ، سنة 1973، بإحدى ضواحي طنجة، أي أجواء ليرسم فيها الأفكار التي تخطر على باله، فالجميع يعلم أنه لا يدعي أبدا الفانتازية في الرسم ولا يضع طقوساً له أثناء تأديته لفنه،لان من يفعل ذلك ليس فنان حقيقي.. الفنان متى ما شاء مارس فنه بكل عشق بدون أي طقوس تذكر..
قيل لنا(والله اعلم) بأنه أحياناً يقوم من فوق سرير نومه لينفذ فكرة، بعد أن تخيلها بكامل عناصرها وزواياها، وهكذا استطاع الدهدوه اليوم بإطلالته ، أن ينفث في خياشيم القراء والمتتبعين هواء التطلع إلى أمل منشود من خلال رسوماته، واستطاع بمعية فنانين آخرين أن يمخر عباب البحر بمداد كاريكاتوري اخاد،لن يستطيع أي جمركي أو جنرال إيقافه.
ستضل رسوماتك أيها الفنان البار تعمل على إيقاظ المشردين وذوي البطون، والنسور الكاسرة،من خلال مواصلتك لعزف سيمفونية التحدي، وزرع ترانيم رسم كاريكاتوري أراد البعض إيقاف زحفه، لكن هيهات…هيهات… فقد استطاعت أن تفرض نفسها من خلال وجود زاوية لا تمد لها الحليب الفاسد.
كن على يقين أيها الفنان أن إسرائيل والغرب وكوريا الشمالية واسبانيا، لن يستطيع حتى والدك الذي رباك على الهدوء، وتوزيع نضرات الحب الصامتة على الجميع، أن ينقذهم من “ورطة كاريكاتير الغد..”.
لان ملايين القراء زفوا لك عروسا حملت لك نياشين برتبة مجاهد……
في انتظار مراسيم تكريم آتية لامحالة….
فهلا عجلتم بها من فضلكم قبل الممات؟؟؟