يدنو أوان غروب الشمس ليضفي على محج محمد السادس المحاذي بكورنيش طنجة جوًا ساحرًا وجاذبًا. في عدة نقاط من هذا الشارع الذي يمثل واجهة لعروس الشمال، تنتصب عربات بيع الحلزون غير بعيد عن الفنادق والمقاهي الراقية، مما يجعل المكان ملتقىً لعشاق هذه الوجبة التقليدية.
تصاعد البخار العطر من القدور الكبيرة يجذب الزوار والمارة، الذين يتوقفون ليتذوقوا “غولال” المتبل بالأعشاب والتوابل.
يقول أحمد، بائع مخضرم في هذا المجال: “نحن هنا منذ سنوات طويلة، نقدم للناس طعامًا يعشقونه ويعتبرونه جزءًا من تراثهم”. يبتسم أحمد بينما يقوم بملء طبق آخر، رائحته تفوح بتوايل نفاذة.
ويشرح أحمد طريقة إعداد “غولال” قائلاً: “أولاً نقوم بتنظيف الحلزون جيدًا للتخلص من أي شوائب. ثم نغليه في ماء مملح ونضيف الأعشاب الطبية مثل الزعتر، ورق الغار، والقرنفل. نتركه ينضج على نار هادئة لساعات حتى يمتص النكهات ويصبح طريًا ولذيذًا.”.
ويشير أحمد إلى أن أسعار الأطباق تتراوح بين 10 دراهم و30 درهمًا، حسب حجم الطبق ومكوناته.
ويؤكد هذا البائع: “نحاول دائمًا تقديم أطباق تتناسب مع ميزانية الجميع، من الأطفال إلى الكبار، لكي يتمكن الجميع من الاستمتاع بهذه الوجبة التقليدية.”
المشهد ليس مجرد عملية بيع وشراء، بل هو تجمع اجتماعي يعكس الروح المجتمعية لأهل طنجة. الأطفال يركضون حول العربات، بينما يتبادل الكبار الأحاديث والضحكات.
وتجلس سيدة مسنة بجانب إحدى الطاولات، تروي قصصًا عن طفولتها حين كانت تتناول “غولال” مع عائلتها في نفس المكان.
يزداد المشهد الليلي جمالاً بإضاءة الكورنيش التي تضفي بريقًا خاصًا على المكان. يتجمع الشباب حول إحدى العربات، يشاهدون بفضول كيف يقوم البائع بتحضير الحساء بدقة وعناية. يقول حسن، بائع شاب: “هذا العمل ليس سهلًا، لكنه ممتع. أحب رؤية الناس وهم يستمتعون بالطعام الذي أعده”.
في نقطة أخرى من نفس الشارع، يقف سياح من مختلف الجنسيات، بعضهم يجرب “غولال” للمرة الأولى. تقول سارة، سائحة فرنسية: “لم أكن أتوقع أن أحب طعم الحلزون، لكنه لذيذ ومميز”.
وإلى جانبها، يأخذ محمد، أحد سكان طنجة، رشفة من الحساء ويقول بفخر: “هذا الطبق جزء من هويتنا، ويجب أن نشارك العالم به”.
تستمر الحياة في الكورنيش حتى ساعات متأخرة من الليل، حيث يظل الباعة يعملون بلا كلل، يحضرون المزيد من الحساء لتلبية الطلب المتزايد.
وتعتبر أطباق الحلزون جزءًا من التقاليد المغربية العريقة، ويعتقد البعض بفوائدها الصحية المتعددة.
وتقول فاطمة، إحدى الزبائن الدائمين: “منذ زمن طويل ونحن نعتقد أن تناول الحلزون يعزز القدرة على الإنجاب ويقوي المناعة.”
وتضيف بحماس: “ابنتي كانت تعاني من تأخر في الحمل، وبعد تناولها الحساء بانتظام لمدة أشهر، حملت بفضل الله.”
ولا يقتصر بيع أطباق الحلزون على شارع محمد السادس فقط، بل يمتد إلى مختلف مناطق المدينة، بما في ذلك أسواقها الشعبية وفضاءات الأحياء.
هناك، يقدم الباعة أطباق الحلزون بأسعار أقل، لا تتجاوز في معظم الأحيان 7 دراهم، مما يجعلها في متناول الجميع.
ويقول يوسف، بائع بحديقة عمومية بحي “دار التونسي”: “نحاول دائماً أن نقدم الأسعار المناسبة لكي يتمكن الجميع من التمتع بهذه الوجبة الشهية، خاصة في الأحياء التي تتواجد فيها العائلات بكثرة.”.