إيمانا منها بأن ليس هناك من مهنة حكرا على الرجال، اقتحمت الشابة المغربية فاطمة الزهراء المحيجر عالم سياقة الشاحنات من الوزن الثقيل، مدركة أن الشغف والموهبة لا يكفيان لخوض هذه “المغامرة”، وأن وحده التسلح بتكوين صلب يمكنها من ولوج عالم هذه المهنة عن جدارة واستحقاق ولم لا جعلها جسرا نحو حلم أكبر .
على غرار زملاء رجال، اجتازت الشابة المغربية المقيمة في فرنسا، بنجاح عددا من اختبارات الكفاءة، وأثبتت قدراتها ومهارتها المهنية، بل وتمكنت من كسر صورة نمطية مازالت منتشرة بشكل كبير عن عجز النساء على تحمل مشاق قيادة هذا النوع من العربات، في كل الطرقات والأوقات والظروف.
في كل مرة تلج قمرة قيادة شاحنة، تردد فاطمة الزهراء، ذات ال 27 ربيعا، عبارة “سائقة وأفتخر”، ومهما اشتدت الصعوبات المرتبطة بالتوقيت والمسافة والحمولة خصوصا، ومهما ساءت أحوال الطقس، تعرف الشابة المغربية أن عليها أن تؤدي مهمتها باقتدار، وبوعي تام بجسامة المسؤولية الملقاة على عاتقها.
تقول فاطمة الزهراء، المنحدرة من مدينة تازة، لوكالة المغرب العربي للأنباء، وبحماس واضح “في كل رحلة أقوم بها، أتأكد جيدا من توفر كل المستلزمات التقنية، إلى جانب ذلك أحرص على أن أكون مزودة بلباس وحذاء مناسبين لأحوال الطقس”.
حلم سياقة شاحنة من الوزن الثقيل، راود فاطمة الزهراء مبكرا، فبعدما انتقلت رفقة أسرتها إلى الديار الفرنسية بحكم عمل والدها، حصلت على البكالوريا المهنية في شعبة النقل، وتابعت دراستها بعد المرحلة الثانوية في مجال النقل واللوجستيك، تخصص النقل الدولي، وبالتحديد في قيادة وسائل النقل من الوزن الثقيل.
فمن فتاة تعشق الرسم والفنون ترعرعت في أحضان أسرة محافظة، إلى سائقة تجوب فرنسا على متن شاحنة من الوزن الثقيل، كان مسار فاطمة الزهراء مثيرا حتى داخل أسرتها. عن هذا المسار تقول السائقة الشابة “اقتحمت هذا الميدان بتشجيع من والدي الذي كان دائما يساندني، ويصر على أن أعتمد على نفسي، عكس والدتي التي أبدت تحفظا على هذا الاختيار في البداية، خوفا علي، قبل أن نتمكن من إقناعها”.
لاتزال فاطمة الزهراء تتذكر أول رحلة مبرمجة في الفترة الليلية، وهي تستعيد مشاعرها حينها وتقول بنبرة من اجتاز اختبارا “في حقيقة الأمر كنت متوترة ومتحمسة في الآن ذاته، كانت في ذهني أسئلة عديدة، لم يسبق لي قيادة هذا النوع من الشاحنات، لكن بعد تشجيع الزملاء انطلقت في أول رحلة دامت أسبوعا، رفقة زميلة لي تحمل الجنسية الفرنسية”.
أنجزت فاطمة الزهراء هذه الرحلة بنجاح، وخلال حديثها تتذكر مجموعة من التفاصيل، كزيارتها لعدد من المدن الفرنسية لأول مرة، وكيفية إعداد الطعام وفترات الاستراحة.. تفاصيل مكنتها من التغلب على هاجس الخوف، والتطلع بيقين إلى تحقيق الباقي من أهدافها المهنية.
رحلات السائقة الشابة المغربية قادتها إلى ديجون، وليون، وباريس ومدن فرنسية أخرى، وهي في كل رحلة تحاول، كما قالت، خلق عالم خاص بها داخل قمرة القيادة حتى لا تشعر بالملل. كما أن الاستماع للموسيقى والاستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلابة وخصوصا مشاركة مساراتها مع أمها ومع متابعيها على مواقع التواصل الاجتماعي، كلها عوامل، تضفي أجواء مغايرة على مهنة لا تخلو من مشقة.
وبالفعل لفاطمة الزهراء عشرات الآلاف من المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي، اختارت مشاركتهم يومياتها كسائقة شاحنة من الوزن الثقيل، بهدف تقاسم تجربتها، وبث روح المثابرة والعزيمة، خاصة في فئة الفتيات اللواتي يتوجسن من ولوج هذا العالم المثير.
طموح فاطمة الزهراء لا يتوقف عند هذا الحد، فهي لم تخف تطلعها إلى العمل في كبريات شركات النقل الدولي، واكتساب خبرة مهمة، والاستفادة من تجارب زملائها، ولم لا تأسيس شركة خاصة بها للنقل الدولي تجعل اسمها يسطع كإحدى سيدات الأعمال في قطاع النقل بشاحنات الوزن الثقيل.