بقلم: محمد بوزيدان
مهووس باللغة العربية و ثقافة المشرق، عند حفل تنصيبه 1940غرناطي المولد سنة
عضوا بالأكاديمية الملكية الإسبانية للغة في 20ماي 2018 كأول مستعرب بها، معوضا الكاتبة الراحلة أنا ماريا ماطوطي في الكرسي الذي يحمل الحرف k. لم يجامل كوريينطي الغرب الذي ينتمي إليه، بل حمله مسؤولية عدم السعي لفهم الثقافة العربية و اختيار “الجهل الإرادي” لحضارة تشكل عنصرا قويا في التاريخ الإسباني، و تأسف على عدم التواصل المباشر للدارسين الأجانب للغة العربية مع العالم العربي و اكتفائهم بما يشاع في الإعلام الغربي المتحامل. في هذا الخطاب الشهير تطرق للأصول العربية لمجموعة من الكلمات الإسبانية التي تناهز في نظره 1700 كلمة، ناهيك عن الاشتقاقات التي يقدرها البعض ب 4000 كلمة.
تعرف كوريينطي عن قرب على العالم العربي من خلال اشتغاله مديرا للمركز الثقافي الإسباني بالقاهرة من سنة 1962 إلى سنة 1965، كما عمل أستاذا للغة الإسبانية
و اللغويات الدلالية بجامعة محمد الخامس بالرباط من سنة 1965 إلى سنة 1968
هذا إضافة إلى عمله كأستاذ بجامعة فيلاديلفيا بالولايات المتحدة الأمريكية من سنة 1972 إلى سنة 1976، كما عين عضوا بمجمع اللغة العربية بالقاهرة سنة 1992. مكنته هذه الرحلة العربية بمصر و المغرب من التعرف على التراث الأدبي العربي، فقام بتحقيق ديوان الشاعر الأندلسي ابن قزمان أو مغني قرطبة الضائع كما كان يطلق عليه، حيث مكنته الأبحاث التي قام بها من العثور على ديوان ابن قزمان في بلدة صفد الفلسطينية، و قد منحته وزارة الثقافة المصرية جائزة اعترافا له على المجهود الذي قام به في تحقيق الديوان السالف الذكر، إضافة إلى ذلك قام كوريينطي بدراسات حول اللهجات الأندلسية المتأثرة بالتواجد العربي الإسلامي فأصدر قاموس العربية الأندلسية و كتابا آخر عن النحو العربي. لكن يبقى أهم إصدار لفديريكو كوريينطي الذي مد الجسور بين حضارتين تتقاسمان ذاكرة عريقة، هو قاموس عربي ـ إسباني الذي فتح الباب للباحثين و المستعربين الإسبان للولوج للغة الضاد، حيث كانوا قبل صدور هذا القاموس يلجأون لمعاجم أخرى فرنسية أو إنجليزية.. علهم يجدون فيها مفاتيح اللغة العربية، يقول كوريينطي عن نفسه:
“كنت أول من وضع قواميس عربية-إسبانية و إسبانية-عربية و ألفت كتابا في قواعد اللهجة الأندلسية و نشرته بالإنجليزية ليصل إلى أكبر عدد من القراء” ـ1ـ
يتميز قاموس كوريينطي عربي ـ إسباني بأنه لا يتطرق فقط للكلمات المتداولة بل تجاوزها للمصطلحات المتخصصة في المجال العلمي، الفني، الحقوقي و الأدبي. تقول عنه أستاذة الدراسات العربية – الإسلامية في جامعة مدريد السيدة لوز كوميز: “بفضل ظهور قاموس عربي ـ إسباني سنة 1977 أصبح الولوج إلى اللغة العربية أكثر ديموقراطية، بموته نفقد أهم لغوي في العربية الأندلسية” -2-
يحسب لكوريينطي المدافع عن إحياء المكون الحضاري العربي في الهوية الإسبانية أنه قام بعمل غير مسبوق لما ترجم المعلقات السبع التي تمتاز بكلاسيكية لغتها و طول نفسها الشعري و جزالة ألفاظها و ثراء معانيها و تنوع فنونها، قدم ترجمتها تحت عنوان:
” المعلقات، مختارات و صور للجزيرة العربية قبل الإسلام” و قد تحدث عنها د. الطاهر أحمد مكي بقوله: ” و قدم للترجمة بدراسة أدبية و أخرى تاريخية و انتهى إلى أن البدوي العربي توصل بطريقة عفوية تدعمها الدراسات الحديثة إلى حل قضية الشكل و المضمون، لأن كلمة شعر تعني المعرفة و الشعور، و إن شئت المعنى و الإحساس به، و تعتبر هذه الدراسة الفذة هي الأولى في اللغة الإسبانية التي تدرس شعرنا الجاهلي و المعلقات بصفة خاصة، و أقر صادقا و على وعي أنها من أدق التراجم التي نقل إليها من اللغات الأجنبية” -3-
فيديريكو كوريينطي الذي غادرنا يوم 16 يونيو 2020عن عمر تسعة و سبعين عاما، يعد بحق صاحب مشروع ثقافي ضخم انطلق بدراسات و ترجمات تبرز الغنى الكبير للغة العربية، داعيا الغرب للانفتاح على هذه الحضارة دون خلفيات إديولوجية وعقائدية أثرت بشكل سلبي على الدراسات العربية في الجامعات الأجنبية.
————–
-1 حوار أجرته معه جريدة الأهرام سنة 1983
-2 مقال بجريدة إلبايس الإسبانية يوم 17 يونيو 2020
-3 د.الطاهر أحمد المكي، مجلة الدوحة، عدد 69 سنة 1981