عبد الله أفتات
هل ما تعرفه المجالس المحلية المنتخبة بطنجة من نقاش وعرائض، واحتجاجات، ورفع للدورات بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني، هدفه تجويد أداء التجربة الجماعية المحلية، أم إن الأمر يتعلق بطموحات لأفراد لم يصلوا إلى مبتغاهم؟ وهل فوز مرشح المعارضة بمنصب النائب العاشر لعمدة طنجة يدخل في إطار العملية الانتخابية الحرة، أم إن ما جرى يوم 18 أكتوبر 2023، عبث وفضيحة بكل المقاييس أبرزت الشرخ والفوضى والعبثية التي تعرفها الأغلبية المسيرة للمجلس الجماعي بطنجة ؟ لماذا انتفض كل هذا العدد ضد رئيس مقاطعة بني مكادة على سبيل المثال، ولم ينتفضوا ضد الإهانة التي تتعرض لها المجالس المحلية المنتخبة من طرف السلطات المحلية التي استثمرت هذا الفراغ لتتخذ القرارات بدلا من الجماعة والمقاطعات؟ لماذا يتم احتمال المجالس المحلية خاصة المقاطعات أكثر مما تحتمل، خاصة وأن القانون المنظم للجماعات لم يعطيها اختصاصات كبيرة يمكن محاسبتها على ضوئها ؟
هذه الأسئلة وغيرها كثير، مطروحة اليوم على طاولة تجربة التدبير المحلي، والمطلوب اليوم من الفاعل السياسي والإعلامي وأيضا الجمعوي الغائب الأكبر عن الساحة بطنجة، العمل على إيجاد أجوبة حقيقية بخصوصها، وإن كان بشكل متفاوت على اعتبار أن للفاعل السياسي المسؤولية الأكبر، عوض الدخول في نقاشات ومبادرات يبدو أنها لا تف بالغرض، ويغلب عليها الطابع الشخصي أكثر منه المصلحة العامة، وبعيدة كل البعد عن ما يمكن أن يدفع في تجاه تجويد التدبير المحلي، الذي يحتاج إلى قيادات تمرست في الميدان التنظيمي والسياسي.
ويأتي النقاش حول هذا الموضوع، سواء على مستوى الجماعة، أو على مستوى نظام المقاطعات الذي تعمل به 6 مدن ومنها طنجة منذ سنة 2003، والذي لم يرقى حتى الآن للمستوى المطلوب، وذلك في سياق التقرير الصادر عن المجلس الأعلى للحسابات برسم 2022 / 2023، المرفوع إلى الملك، والذي رصد بنوع من التفصيل ضعف نظام المقاطعات، كما وقف عند محدودية التدبير الجماعي.
التقرير الذي صدر بتاريخ 21 نونبر 2023، أشار إلى أن السلطة التقريرية لمجالس المقاطعات، من خلال القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات، تبقى محدودة، مبرزا أنها تكون ملزمة بـ”الرجوع الدائم والمستمر إلى مجلس الجماعة لممارسة مجموعة من الاختصاصات، وعدم قدرتها على التعاقد وإبرام الاتفاقيات”، إلى جانب “محدودية الاستقلال المالي، حيث لا تتوفر المقاطعات على ميزانيات مستقلة، بل على مخصصات للتسيير”.
وفي انتظار فتح نقاش جدي من طرف الفعاليات السياسية والجمعوية للمدينة حول هذا الملف، سنعمل على تقديم وجهة نظرنا في ما يجري منذ شهور أثر ولا زال على سير عمل المؤسسات، سواء على مستوى علاقتها بالمواطن، أو على مستوى علاقتها الملتبسة والغير واضحة بالسلطة التي وجدتها مناسبة لملأ المساحة الفارغة، حيث عملت على اتخاذ رزمة من القرارات بدلا عن المجالس المنتخبة، التي تعرف تراجعا ملحوظا مقارنة مع بعض الإيجابيات التي حققتها الولاية السابقة خاصة على مستوى الحركية وتحمل المسؤولية.
وبالعودة لبعض الأحداث التي شكلت علامة فارقة لتجربة التدبير المحلي للولاية الحالية، تبقى عملية انتخاب النائب العاشر لعمدة طنجة، أبرز تلك العلامات إلى جانب الأزمة التي يعرفها مجلس مقاطعة بني مكادة، أكبر مقاطعة في المغرب، فقد أبانت العملية التي جرت أطوارها يوم الأربعاء 18 أكتوبر 2023، برسم الجلسة الثانية لدورة أكتوبر 2023، وأسفرت عن فوز محمد الشرقاوي المنتمي لحزب الحركة الشعبية المعارض بواقع 33 صوتا، وذلك على حساب عبد الواحد بولعيش عن حزب التجمع الوطني للأحرار القوة الانتخابية الأولى بالمدينة، الذي حصل فقط على 27 صوتا، بعد أن صوتت مكونات من داخل الأغلبية لفائدة مرشح المعارضة، ليكون بذلك حزب الحمامة أبرز الخاسرين في عملية التحالف الرباعي الذي تعرفه طنجة، فبالإضافة إلى تواضع تواجده في المكتب المسير لجماعة طنجة، عدم حصوله على أي منصب رئاسي متعلق بالمقاطعات الأربع، في أغرب حالة تفاوضية تعرفها المدينة، والتي أظهرت نتائجها تحكم حزب الأصالة والمعاصرة في مفاصلها، رغم عدم حصوله على نتائج قوية، وسط اندهاش السياسيين والمراقبين على حد سواء، (الجرار يترأس كل من مقاطعة السواني ومغوغة، والميزان يترأس مقاطعة بني مكادة، في حين عادت مقاطعة طنجة المدينة لحزب السنبلة).
ومما زاد من رتابة وغرابة ما يجري هو تصريح أدلى به الشرقاوي الذي يشغل في نفس الوقت مهمة رئيس مجلس مقاطعة طنجة المدينة ورئاسة فريق كبير كاتحاد طنجة لكرة القدم، مباشرة بعد انتخابه نائبا للعمدة، قال فيه إنه هنا يمثل المعارضة داخل المكتب المسير لجماعة طنجة، نعم هكذا قال، وهو ما ينم عن ضعف في التكوين السياسي والتنظيمي والقانوني، بحكم أن معظم الذين يوجدون في صدارة التدبير المحلي جيء بهم من عالم الأعمال، ومنهم من نزل بمظلة معينة ليجد نفسه يجلس على كرسي يحتاج المناضل للوصول إليه إلى سنوات من التدرج والتراكم التنظيمي والمعرفي ليصل إليه .
أما بالنسبة “للانتفاضة” القائمة أطوارها بمجلس مقاطعة بني مكادة، والتي تسببت في فشل رئيس المقاطعة في لم شمل المكتب المسير ومجلس المقاطعة على السواء لجلستين متتاليتين دورة يناير بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني، قبل أن تنعقد بمن حضر وفق القانون المنظم للجماعات، فإنها تثير الكثير من الاستغراب والتساؤلات، فبغض النظر عن كونها تتحرك من خارج الأحزاب، (باستثناء حزب الاشتراكي الموحد وحزب العدالة والتنمية) وهذا إشكال حقيقي، مما تسبب في صدور توقيفات وتجميدات تنظيمية، فإن المبررات التي تطرحها العصبة الغاضبة، من قبيل الإرتجالية وطريقة التدبير واحتكاره للمسؤوليات، أمور ليست بجديدة ويعرفها القاصي والداني منذ أن كان محمد الحمامي رئيسا لنفس المقاطعة (2009/2012)، ومع ذلك صوتوا عليه في انتخابات رئاسة المقاطعة، بما في ذلك ممثل الحزب الاشتراكي الموحد الذي شكل تصويته لفائدة الحمامي صدمة لدى العديد من المراقبين للشأن المحلي بالمدينة، ليبقى السؤال ما الذي استجد ما بين الأمس واليوم ؟
في نفس السياق، فالتوقيفات التي صدرت حتى الآن في حق بعض القيادات المسيرة للتدبير المحلي، تطرح أكثر من علامة استفهام حول توقيتها، فبعد أسابيع من تحرك مجموعة من الأعضاء خارج مؤسسات الحزب دون أن تظهر القيادة المحلية أي رد فعل، وبشكل مفاجئ أصدر حزب الأصالة والمعاصرة بلاغا أعلن فيه تجميد عضوية ثلاثة مستشارين جماعيين، (محمد الحرايقي، عضو مجلس جماعة طنجة ومجلس مقاطعة بني مكادة، وفاطمة الزهراء بوبكر، عضو مجلس جماعة طنجة ومجلس مقاطعة بني مكادة، وأحمد الغرافي، عضو مجلس مقاطعة بني مكادة) زاعما اخلالهم بالتزامتهم وعدم انضباطهم لقرارات الحزب وإحالتهم على لجنة الأخلاقيات لاتخاذ القرارات اللازمة في حقهم.
تجميد عضوية هؤلاء جاء مباشرة بعد لقاء جمع الوالي الجديد بمنتخبي طنجة بتاريخ 04 يناير 2024، وحضره عمدة طنجة منير الليموري، ورؤساء المقاطعات الأربع، ورئيس جماعة گزناية ، محمد بولعيش، ورئيس جماعة أصيلة، محمد بنعيسى، حيث دعاهم إلى تجاوز الخلافات قائلا لهم “باركا من التخلويض”، وهو ما يطرح إشكالية استقلال القرار الحزبي، وتحرك القيادة الجهوية للحزب المشار إليه وفق ما يصدر عن الإدارة، وليس ما يصدر وينبع من قواعد هذا التنظيم، ليبقى التساؤل المطروح على هذا المستوى، هل من الضروري أن تتحرك التنظيمات السياسية إلا بعد أن تصدر إشارة هنا أو هناك من قبل الإدارة ؟ أليس من المفروض أن تتم مناقشة الملفات والقضايا داخل المؤسسات الحزبية واتخاذ مواقف على ضوئها؟ ألا تعتبر مسألة استقلالية القرار من مرتكزات العمل السياسي ؟.
أمر آخر تطرحه انتفاضة الغاضبين بمجلس مقاطعة بني مكادة، وهو أننا لا نسمع لهم همسا، عندما يتعلق الأمر بتجاوزات السلطات المحلية وتدخلها المستمر في سير المجالس المنتخبة، وصلت لدرجة اتخاذ قرارات بدلا عنها، كما يكشف عن ذلك مرارا وتكرار وعلى سبيل المثال لا الحصر محمد غيلان الغزواني النائب الأول للعمدة (ينتمي لحزب الحمامة) في تصريحات متعددة منها تصريح لموقع “لكم” بتاريخ 30 يونيو 2023، كما أن كبار ومسؤولي الإدارات العمومية عادة ما ينظرون بنظرة ناقصة للمجالس المنتخبة، ولا يحضرون للدورات وللاجتماعات رغم دعوتهم بشكل رسمي وبالقواعد المتعارف عليها، ومع ذلك يصرون بغيابهم على إهانة المؤسسات المنتخبة، ولا احتجاج نوعي ولا موقف قوي من هذا السلوك الغير مقبول والذي يجب التدخل ومراجعته بشكل فوري لأنه يقدم للرأي العام صورة سيئة عن المنتخب الذي لا يستمع إليه أحد ولا تعطى له قيمة كما يجب خاصة وأنه جاء عبر صناديق الاقتراع .
الأحزاب السياسية، مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى التفكير العميق وفتح النقاش الجدي على مستويين، مستوى داخلي يتعلق بإعادة النظر في الاستقطاب ومن يحمل رموزها في الاستحقاقات الانتخابية، وفي مقدمتها إعطاء فرصة للمناضلين الذين يتدرجون في المؤسسات التنظيمية لتولي الصدارة، عوض سياسة الإنزال التي استفادت منها مجموعة من الأسماء المتواجدة حاليا في كراسي المسؤولية دون خبرة ولا تكوين سياسي، مما أثر سلبا على تجربة العمل الجماعي المحلي، خاصة وأن الساحة تحتاج لمنتخبين لهم القدرة على النقاش والمناقشة مع السلطات ومواجهتها سياسيا في أفق الإرتقاء بالتجربة المحلية، ومستوى ثاني يتعلق بتقديم مقترحات عملية لمراجعة القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات رقم 113.14، في سياق التدافع من أجل منح مساحة جديدة أكثر اتساعا للمجالس المنتخبة الجماعة والمقاطعة، خاصة وأن التجربة اليوم أكدت محدودية التحرك والمبادرة من داخل هذه المؤسسات في إطار النص الحالي الصادر في 23 يوليوز 2015، والحامل للرقم 6380 بالجريدة الرسمية .