هذا الهدوء الكائن هنا يحيل على الحياة البسيطة في أجمل تحلياتها؛ الاخضرار عنوان للمكان؛ والسر في الأمر بركة تحل مع الخير أينما كان؛ هنا تُمضي عشرات من نساء قرية “بن قريش” بضواحي مدينة تطوان، ساعات طويلة من يومهن؛ وهناك يتجاذبن أطراف الحديث عن الأهل والحال؛ ويطلقن بين الفينة والأخرى أهازيج محلية عبارة عن نظم ليس بالمرقون في دواوين.
يحتفين بالطبيعة والخضرة والماء؛ وقد يفعلن ذلك احتفاء باقتراب موعد زفاف إحدى شابات القرية؛ هذه الطقوس جزء ملازم بشكل دائم لعملية قطف أوراق “الغار” وجمعها في أوعية وقفف مصنوعة من سعف النخيل.
وتعد هذه المرحلة واحدة من أهم مراحل إنتاج هذه النبتة التي تختلف استعمالاتها وتتعدد.
“الرند” أو “ورقة سيدنا موسى”، باختلاف مسمياتها وتعدد استعمالاتها، تسهم هذه النبتة التي تنتشر في دول حوض البحر الأبيض المتوسط، في خلق مناصب شغل مدرة للدخل بالنسبة لعشرات النساء المختلفة أعمارهن وحالتهن الاجتماعية (عازبات؛ متزوجات؛ أرامل) اللواتي يشتغلن ضمن إطارات مهنية تسعى إلى تثمين هذا المنتج الفلاحي الرائد والمتميز في المنطقة؛ والدفع به قدما من أجب تسويقه كمادة طبيعية تلبي حاجيات غذائية وصحية وأيضا تجميلية.
وتعد تعاونية “نوارة عين الحجر”، واحدة من الإطارات المهنية التي يشكل إنتاج وتوزيع ورقة “سيدنا موسى”، أحد أنشطتها، من خلال الاعتماد على اليد العاملة المكونة من مجموعة نساء جماعة “بن قريش”، حيث تنشط هذه التعاونية التي تتخصص بشكل عام في إنتاج وتثمين المنتوجات المجالية لهذه المنطقة القروية.
وبحسب، العضو في هذه التعاونية، السيدة زينب الحشام؛ فإن “هؤلاء النسوة يستفدن بداية من دورات تكوينية حول كيفية التعامل مع هذه النبتة؛ من أجل تقديمها للمستهلك في ظروف تراعي شروط الجودة المعمول بها”.
وتشرح هذه السيدة، في حديث لجريدة طنجة 24 الإلكترونية، المراحل التي تمر منها عملية إنتاج ورقة أو بالأحرى أوراق “الرند” التي تنطلق من قطفها وتنقيتها من الشوائب، مع استخدام أدوات حادة معقمة لأجل هذا الغرض؛ قبل تنظيفها وتنشيفها في آلة تشتغل بواسطة الطاقة الشمسية، قبل توجيهها للتعبئة؛ بمعنى أن العملية تتم في إطار من الاحترام التام للبيئة وعلى وجه الخصوص المجال الأخضر.
وتبرز السيدة الحشام، أن استعمالات ورقة “الرند” متنوعة “فهي تستعمل في الطبخ وتعتبر فعالة في امتصاص الغازات من المواد الغذائية، فضلا عن استعمالات طبية وتجميلية عديدة (ماسكات الوجه؛ خلطات الشعر…) أثبتتها عديد التجارب في المختبرات ذات الصلة”.
وعلى ذكر الاستعمالات؛ فطاجين السمك الشمالي المصنوع من الفخار والمعروف ب “التاكرا” لا يحلو إلا من خلال أوراق “الرند” المرفقة مع التوابل وبعض الأعشاب المنسمة الأخرى. كما أن النبتة تصلح لتعقيم عدد من أنواع السمك والحوت خصوصا خلال فصل الشتاء.
وأوراق “الرند”، التي تعتبر بلدان البحر الأبيض المتوسط موطنها الأصلي، هي عبارة عن أشجار كبيرة معمرة استخدمها اليونانيون والرومانيون كمادة طبية ومادة عطرية حيث تحتوي أوراق هذه الشجرة على مميزات عديدة.