بقبعة عريضة مزركشة تُعرف باسم “الشاشية”، وقميص أبيض يغطيه منديل ملفوف حول الجزء العلوي من الجسد، وآخر بالأحمر والأبيض يحيط بالخصر، مع خُف تقليدي يسمى “الشربيل” أو “البلغة”، تصل النساء القرويات إلى مدينة طنجة محملات بأحمال الفلاحة المعيشية، التي تشكل موردهن الوحيد في ظل اقتصاد الكفاف الذي يطبع المجال القروي.
في الأزقة المحاذية للأسواق الشعبية بـ”عروس الشمال”، تفترش هؤلاء النسوة مساحات محدودة، يعرضن عليها منتوجات فلاحية بسيطة مما تنتبته الأرض من بقلها وقثائها وفومها وبصلها، وألبان مستخلصة من أبقار وماعز المداشر، إضافة إلى “الرغايف” الطازجة التي يطهينها على نار الحطب.
رحمة الزرغيلي، سيدة خمسينية تنحدر من مدشر الرمان بجماعة ملوسة، قضت أكثر من ثلاثة عقود وهي تتنقل بين قريتها وطنجة مرتين في الأسبوع، لتبيع ما جادت به الأرض من محاصيل.
وتجلس هذه المرأة الخمسينية، إلى جانب سور بسوق كسبراطا، تراقب حركة المتسوقين بنظرات ألفت انتظار الزبائن. تقول بلهجتها الجبلية: “هذا هو رزقي.. 100 درهم في النهار، وأحيانا أقل، نقتسمها في البيت كي نوفي بمصاريف المعيشة”.
رغم ضآلة الدخل، تتحدث رحمة بقناعة صلبة، نموذج لنساء قرويات يعتشن على هامش الدورة الاقتصادية الكبرى، حيث لا يصلن إلى الحد الأدنى من الأمن المالي، لكنهن مستمرات في معركة البقاء.
فضيلة، القادمة من أحد دواوير جماعة حكامة، تشاطرها نفس الظروف. في يوم احتفال العالم بـ”عيد المرأة”، لم تبدُ عليها أي علامة اهتمام بهذه المناسبة، فهي، مثل باقي قريناتها، غارقة في واقع تحكمه ضرورة العمل اليومي. “ما عندنا لا عيد لا والو.. كنجيو نترزقو الله وصافي”، ترد بنبرة حاسمة، معبرة عن التفاوت الشاسع بين نضالات النخبة النسائية في المدن ومتطلبات البقاء في القرى النائية.
ولا تقتصر تجارة النساء الجبليات على الأسواق الحضرية، فهناك فئة أخرى تفضل الاستقرار على قارعة الطريق الرابطة بين طنجة والقصر الصغير، حيث يصطففن بشكل عفوي، يلوحن بربطات القزبر والمعدنوس لإثارة انتباه السائقين. إنها سوق نسائية بلا حواجز، يحكمها اقتصاد العرض والطلب، حيث الزبون يختار بحريّة دون منافسة شرسة.
“فحال فحال أ بنتي.. شوف اللي عجبك من عندي ولا من عند غيري”، تقول قروية تفترش الأرض قرب قرية الزرارع، معبرة عن قيم التضامن الاقتصادي التي لا تزال سائدة في هذه الفضاءات، بعيدًا عن منطق الاحتكار الذي يهيمن على الأسواق الرسمية.
وما يجعل التسوق من هذه السوق النسائية جذابًا ليس فقط الأسعار المعقولة أو جودة المنتجات الطرية، بل أيضًا المشهد الطبيعي الذي يؤطر هذا النشاط.
وعلى طول الطريق الساحلية، يمتزج زرْق البحر بزرقة السماء، بينما تتضح معالم جبال الجنوب الإسباني في الأفق، في مشهد خلاب يخفف من وطأة الواقع الصعب للنساء الكادحات.
هؤلاء النسوة، رغم بساطة وسائل عيشهن، يشكلن عصب الاقتصاد القروي غير المهيكل، الذي يعتمد على البيع المباشر في ظل غياب بدائل تضمن لهن ولأسرهن استقرارًا معيشيًا أفضل. فهل تتغير أوضاعهن يومًا، أم أنهن سيبقين مجرد ظلال نسائية في المشهد الاقتصادي لمدينة طنجة؟