سلطت واقعة الاتجار بأدوية مدعمة من طرف طبيب حديث التخرج في المركز الاستشفائي الجامعي بمدينة طنجة الضوء على واحدة من أعمق قضايا الفساد التي تمس النظام الصحي في المغرب.
وتحولت الحادثة التي كانت في البداية مجرد رحلة علاجية لمريض مصاب بسرطان الرئة، إلى مأساة إنسانية، عندما اكتشف المريض أنه كان ضحية عمليات ابتزاز غير إنسانية، لم تكن لتحدث إلا بسبب الطبيب الذي كان من المفترض أن يكون ملاذًا له في مواجهة مرضه القاسي.
وبدأت فصول القضية، عندما توجه المريض إلى المركز الاستشفائي الجامعي في طنجة طلبًا للعلاج، حيث التقى بالطبيب الذي كان يتابع حالته. في تلك الزيارة، أصدر الطبيب وصفة طبية لأدوية باهظة الثمن، كانت مخصصة حصريًا للمستشفيات الجامعية، على الرغم من أن المريض لم يكن في حاجة إليها.
واستغل الطبيب الذي كان من المفترض أن يتفهم آلامه ويخفف معاناته، الثقة التي وضعها المريض فيه ليمارس ممارسات غير قانونية وغير إنسانية، تمثلت في الحصول على هذه الأدوية وإعادة بيعها بشكل غير مشروع.
لكن المأساة لم تتوقف هنا، فالإطار الصحي الذي بات يوصف بلقب “الطبيب المفترس”ّ لم يكتفِ بذلك، بل أشار للمريض إلى جمعية وهمية لشراء الأدوية، مقابل مبلغ باهظ، في حين لم يكن المريض الذي كان في حالة من الضعف الشديد، والذي كان يعاني من مرض السرطان، يدرك أن هذه الأدوية تُصرف مجانًا داخل المستشفى.
وعندما حاول استكمال وثائق التعويض لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، اكتشف الفضيحة، ليصبح ضحية لهذا الطبيب الذي يفتقر إلى أبسط معايير الأخلاق والمهنية.
وتُظهر هذه الواقعة بوضوح كيف أن بعض الأطباء في المغرب، بدلاً من أن يكونوا رعاة للمرضى، تحولوا إلى أدوات للاستغلال المادي على حساب آلام المرضى.
الطبيب الموقوف في هذه القضية ليس مجرد شخص ارتكب خطأ مهنيًا، بل هو نموذج سيئ لشريحة من مهنيي الصحة الذين يسعون وراء الإثراء غير المشروع على حساب معاناة المرضى. إذ أن ما قام به الطبيب ليس مجرد خرق للقانون، بل هو انتهاك للضمير المهني، إذ كيف يمكن لمهني كان من المفترض أن يكون مصدر أمل للمريض، أن يضع نفسه في موقف يتاجر فيه بألم الآخرين؟
ما هو أخطر في هذه القضية هو أن الطبيب لم يستغل فقط ضعف المريض، بل أظهر تجاهلاً كاملاً للإنسانية التي ينبغي أن يتحلى بها كل من يعمل في القطاع الصحي.
وأصبح الطبيب الذي وقع ضحية لحالة من الاستغلال المادي، جزءًا من شبكة معقدة تسعى لتحقيق مكاسب غير مشروعة من خلال استغلال الأدوية المدعمة التي تُمنح للمستشفيات من قبل الدولة. هذا النوع من السلوك يعكس واقعًا مقلقًا يجب أن يواجهه النظام الصحي في المغرب بحزم.
وتضع التحقيقات التي جرت على إثر القضية، والتي شملت توقيف الطبيب والممرض المتورطين، السلطات أمام اختبار حقيقي لمكافحة مثل هذه الممارسات التي تهدد بتقويض الثقة في النظام الصحي.
وبالنظر إلى أن المغرب يشهد تسجيل حوالي 44,000 حالة جديدة من مرض السرطان سنويًا، فإن الكشف عن هذه الممارسات يُعد ضربة قوية لأمل المرضى في الحصول على العلاج المناسب دون استغلال.
إن الطبيب الذي تم توقيفه ليس فقط مريضًا بالفساد، بل يشكل مصدر قلق حقيقي لآلاف المرضى الذين قد يعانون من وضع مماثل، مما يجعل من هذه القضية دافعًا حقيقيًا للإصلاح، من أجل محاربة الفساد وتعزيز آليات الرقابة داخل النظام الصحي، لضمان أن يجد المرضى الرعاية التي يستحقونها بدلاً من أن يكونوا ضحايا لأشخاص تسعى مصلحتهم الشخصية لتدمير ثقتهم في القطاع الصحي.