منير الكتاوي – الوطن الآن
في الصورة: عادل لقليعي (يمينا) وأزواوي (يسارا)
1300كلم، كان هو المسار الذي ستقطعه قافلة الحقيقة، التي نظمتها الرابطة المغربية للصحافة الإلكترونية نهاية الأسبوع الجاري من الرباط إلى العيون، وكان مقررا أن يشارك فيها ممثلو 60 موقعا لجرائد إلكترونية. فكيف توقفت القافلة بعد أن قطعت 440كلم فقط، وبالضبط بشيشاوة؟ «الوطن الآن» كانت حاضرة لتأطير ندوة حول «التعاطي الإعلامي مع أحداث العيون»، ورافقت القافلة من انطلاقها إلى نهايتها الحزينةلم يغمض للخمليشي المختار، الصحافي بالجريدة الإلكترونية «طنجة 24»، جفن طوال رحلته عبر الحافلة من مدينة عروس الشمال إلى العاصمة الرباط. فهذا الشاب (24 سنة) كان متتبعا لكل ما تنشره الصحافة الإسبانية الورقية والإلكترونية والسمعية والبصرية حول أحداث العيون خلال الأسبوع الأول من نونبر 2010، ورغم يقينه التام بأن ما ينشر ويبث من قبل بعض الصحافيين الإسبان مجرد أكاذيب ومغالطات، كان شوقه كبيرا لزيارة عاصمة الصحراء التي لم يرها طوال حياته. وبعد أن كتب جملة قصيرة باللغة الإسبانية في صفحته الخاصة بالموقع الإلكتروني «فيسبوك» مفادها أنه متوجه نحو مدينة العيون لدحض أكاذيب بعض إعلام الإسبان، تهاطلت عليه تعليقات بعض زملائه الصحافيين الإسبان الذين كان يدخل معهم في جدال كبير حول قضية الصحراء عموما وأحداث العيون بالخصوص، لهذا رد على أحد مخاطبيه الإسبان بأنه سيفحمه بعد أن يزور مدينة العيون.
في اتجاه العيونفي حدود الساعة العاشرة من صباح يوم الخميس 9 دجنبر 2010، حل المختار الخمليشي بساحة البريد متأبطا حقيبته وحاسوبه الشخصي، ومع التحاق عدد من زملائه الصحافيين الإلكترونيين كان يتعرف على بعضهم لأول مرة بشكل واقعي، بعد أن كان اللقاء فقط في العالم الافتراضي «الأنترنيت»: بالمقابل لم يكد يهدأ الهاتف المحمول لعادل اقليعي، رئيس الرابطة المغربية للصحافة الإلكترونية، وكان كل واحد من الرابطة مكلفا بمهمة محددة، حتى لاح جزء من الممر المحاذي لإدارة البريد بالرباط شبه خلية نحل في تعاون تام لإنجاح القافلة.
«منذ أكثر من أسبوع ونحن في لقاءات واتصالات شبه يومية مع المصالح المختصة وضيوف برنامج القافلة من أجل تنظيم هذه المبادرة الفعلية للتضامن مع الزملاء في الإذاعة والتلفزة بالعيون، وكذا لدحض مزاعم بعض المنابر الإعلامية الإسبانية، وقد استحسنت وزارة الاتصال مبادرتنا، في ما تم التنسيق مع ولاية العيون من أجل توفير الظروف اللوجيستيكية، وقمنا بإشعار ولايات مختلف المدن بانطلاق وتوقف القافلة من الرباط مرورا بمراكش وأكادير وكليميم وطانطان. وقمنا بحصر اللائحة النهائية للمشاركين في 60 شخصا، منهم مديرو ومراسلو ومندوبو الجرائد الإلكترونية وبعض جمعيات المجتمع المدني، بعدما تلقينا أزيد من 86 طلبا للمشاركة في القافلة»، يقول اقليعي رئيس الرابطة. مضيفا في حديث مع «الوطن الآن»، أنه تم مد المصالح المركزية لوزارة الاتصال، بتنسيق مع مندوبيتها بالعيون، بالبرنامج التفصيلي للقافلة ومسارها وهوية المشاركين فيها، ولم يكن هناك أي تدخل لهذه المصالح في البرنامج أو مساره، بل تم تخصيص حافلة ركاب إضافة إلى حافلة صغيرة كي تكون رحلتنا في أحسن الظروف».
ومفادها انطلاق قافلة الحقيقة يوم الخميس من الرباط في اتجاه مدينة العيون. وفي حدود منتصف اليوم، وبعد قراءة ميثاق الشرف المتضمن لبعض التوجيهات في ما يخص إنجاح القافلة، توزع 35 شابا بمن فيهم 3 شابات على حافلتي الركاب، لتكون بذلك آخر لقطة التقطها مصور القناة الثانية.«لعب الدراري»وقبل ولوج الطريق السيار لمدينة الرباط في اتجاه مدينة مراكش، استوقفنا بعض عناصر المراقبة الأمنية بعد أن استرعى انتباههم بعض ملصقات القافلة مختلفة الأحجام. وبعد حوالي ربع ساعة تم خلالها تسجيل أسماء المنظمين والاطلاع على مضمون الرحلة، تم السماح للحافلتين بالتحرك. طوال الرحلة إلى مراكش كان النقاش الثنائي والجماعي للصحافيين الإلكترونيين هو أحداث العيون، وكان شبه إجماع على أن ما حدث من تقتيل وتخريب ونهب للممتلكات أمر مشين، وزادت أكاذيب الإعلام الإسباني من حدته. كانت الرحلة فرصة لما اعتبره البعض تعارفا واقعيا مباشرا بعد التعارف الافتراضي على شبكة الأنترنيت، وكذا نقاشا عميقا حول وضعية الصحافة الإلكترونية وتمكنها في ظرف قصير من فرض ذاتها، ليتوج ذلك بالحصول على الوصل النهائي بشكل قانوني أياما قبل تنظيم القافلة، وهو «ثمرة لجدية الرابطة في الدفاع عن حقوق الصحافيين الإلكترونيين»، حسب عادل اقليعي. هذا الأخير كان يبدو عليه القلق، بينما نحن في الطريق نحو شيشاوة، وكان ينعزل في مؤخرة الحافلة، وهو يتلقى المكالمات الهاتفية تلو الأخرى. ومع ذلك لم يبد لأعضاء رابطته شيء قد يشوش على مسار القافلة ودرجة الحافز المعنوي الذي كان عاليا لدى المشاركين. وانتظر إلى انتهاء تناول وجبة العشاء بإحدى مقاهي شيشاوة، ليطلب من الجميع الصعود للحافلة لأمر طارئ، وطول حوالي 5 دقائق إلى حين صعود الجميع، كانت الأسئلة المقلقة تراود المشاركين وهم يترقبون هذا المستجد.
«يؤسفني أيتها الزميلات والزملاء، أن أخبركم بأن المستجد مفاده أن رحلتنا لمدينة العيون ستتوقف في شيشاوة والعودة لمراكش للقاء أحد مديري المصالح المركزية لوزارة الاتصال»، كلمات رغم قصرها كان لتأثيرها المعنوي جانب كبير من السلبية على مستوى نفسية المشاركين. «كيف؟ ولماذا؟» سؤالان ضمن الأسئلة الست التي يبحث عن أجوبتهما أي صحافي. والجواب كان هو «مستجدات طارئة» وضرورة العودة الفورية لمراكش وعدم المضي ولو خطوة واحدة في اتجاه العيون. لم يستسغ أغلبية المشاركين هذا التغير المفاجئ في مسار القافلة، وأبدوا سخطهم وتذمرهم مما اعتبره بعضهم «لعب الدراري هذا»: الترخيص بتحرك القافلة، والأمر بعد ذلك بتوقيفها في شيشاوة. وبدا عادل اقليعي حرجا بين أزيد من عشر مكالمات هاتفية من ممثل وزارة الاتصال يخبره فيها بضرورة الرجوع لمراكش، وبين سخط أعضاء الرابطة. وبصعوبة بالغة أقنعهم باعتباره مسؤول أول عن الرابطة لا يمكنه الاستمرار في مسار القافلة مادام أن الرسالة الأولى منها هي دعم القضية الوطنية، ومخبرا زملاءه في الوقت نفسه أن لقاءهم مع ممثل وزارة الاتصال قد يكشف عن معطيات جديدة من حيث إعادة ترتيب القافلة.تعثر قافلة العيونأمام فندق «إيبيس» بمراكش، كان محمد بلغوات مدير الدراسات وتنمية وسائل الاتصال رفقة نجيب الزواوي مدير الموارد البشرية والمالية واقفان ينتظران المشاركين في قافلة الحقيقة، حرصا على مصافحة الجميع بحرارة، مهنئين إياهم على سلامتهم. كانت كل الترتيبات اتخذت لإيواء 38 مشاركا في غرف مزدوجة، داعيا الجميع إلى تناول وجبة العشاء، تقدم بالشكر للمشاركين ولمكتب الرابطة، وأبدى أسفه من عدم استكمال القافلة لمسارها، مؤكدا في الوقت ذاته بأن «القافلة انطلقت ولم يتم استكمال الترتيبات اللوجستيكية، وأنها لم تمنع». تناسلت أسئلة المشاركين حول جدية هذه المبررات في ظل الترتيبات المتخذة على صعيد ولاية العيون ومندوبية وزارة الاتصال، لكن مدير مديرية الدراسات وتنمية وسائل الاتصال بوزارة الاتصال بدا وكأنه مكلف بمهمة محددة وهي «توقيف أو تأجيل» القافلة إلى أجل غير محدد، ليعود المختار الخمليشي إلى طنجة وفي نفسه غصة بعد أن حرم بشكل من الأشكال من أن تطأ قدماه مدينة يدافع أمام الإسبان عن مغربيتها، وهو يفكر مليا في كيفية الرد على خصوم الوحدة الترابية حول تعثر قافلة الحقيقة.