عن مغرب اليوم
بعد المسيرة الشعبية بالدار البيضاء… واقع المشهد السياسي المغربي مفعم بالتناقضات والاختلالات بعضها مرتبط بالهيئات السياسية والآخر بالفاعلين السياسيين وتناقضات صارخة بين الخطاب والممارسة. ورغم الدعوات الملكية لتأهيله وترويج الأحزاب وقياداتها لخطاب التأهيل والتحديث وتخليق الحياة السياسية، لازالت مظاهر استغلال النفوذ وضعف الأداء الحزبي وعدم إعمال آليات الديمقراطية الداخلية، وضعف التواصل مع القواعد الشعبية، تعرقل كسب رهان التأسيس لحقل حزبي ديمقراطي. فقد ساهم ضعف التواصل وسلوكات بعض السياسيين المغاربة، الذين استغلوا مناصبهم للاستفادة من منافع سياسية واقتصادية بالنسبة لهم ولذويهم في إفقاد العمل الحزب المغربي مصداقيته بل وفي إبعاد المغاربة عن العمل الحزبي وعزوفهم عن المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية. وتظل المسيرة الوطنية التي نظمت يوم 28 نونبر الماضي للتنديد بموقف الحزب الشعبي الإسباني إحدى التجليات البارزة لموقف المواطن المغربي من السياسيين حيث رفع مجموعة من الشباب حضروا المسيرة الوطنية شعارات مناهضة لأعضاء الحكومة وللزعماء السياسيين المغاربة. إلى جانب الاختلالات التي يعيش على وقعها الحقل السياسي، ثمة “غرائب وعجائب” مغربية بامتياز. فقد أثار مشهد عبد الكريم بنعتيق ، الأمين العام للحزب العمالي وكاتب الدولة الأسبق في التجارة الخارجية، وهو يمشي حافي القدمين احتجاجا على قانون العتبة الذي يقضي الأحزاب الصغيرة من المشاركة في الانتخابات استغراب المغاربة كما أدخل حميد شباط الكاتب العام للاتحاد العام للشغالين بالمغرب قاموسا “غريبا” إلى الحياة السياسية المغربية عندما وصف خصومه بصفات “حيوانية”. وليس بنعتيق وشباط وحدهما من وضعا بصمتيهما على غرائب السياسة المغربية فخلال انتخابات مجلس جهة الحسيمة تازة تاونات لم يجد محمد عبو وزير تحديث القطاعات العامة في حكومة عباس الفاسي وقتها من طريقة للاحتجاج على قرار الوالي محمد بومهيدية، القاضي بتأجيل انتخاب مجلس الجهة سوى الاعتصام أمام مقر الجهة. “مغرب اليوم” تفتح ملف السياسة على الطريقة المغربية وترصد اختلالات وتناقضات الحياة الحزبية والسياسية وغرائبها كما استقت آراء الشارع المغربي حول السياسة والسياسيين وحاورت فاعلين سياسيين وأساتذة باحثين. غياب الديمقراطية الداخلية واستغلال النفوذ وضعف التواصلالسياسة على الطريقة المغربية تعيش الحياة السياسية المغربية اختلالات عديدة، تتوزع بين ضعف المبادرات الحزبية وغياب الديمقراطية الداخلية إلى جانب ظواهر تفقد العمل السياسي مصداقيته كالأمية والترحال واستغلال النفوذ. وهي عوامل تحول دون الرقي بالعمل الحزبي وتسهم في توسيع الهوة بين الطبقة السياسية والمواطنين. غياب الديمقراطية الداخلية والتداول على المناصب، إلى جانب اعتماد معيار الولاء للأشخاص عوض الكفاءة، من الخصائص التي ميزت العمل السياسي المغربي وكانت لها انعكاسات سلبية على عموم الحياة السياسية كما أسهمت في عرقلة أية خطوة نحو تأهيل المشهد الحزبي. ورغم الدعوات الملكية إلى تأهيل المشهد السياسي المغربي لم يتحقق الكثير على أرض الواقع. وظلت الهيئات الحزبية المغربية تتخبط في مشاكلها الداخلية وتحالفاتها وانشقاقاتها دون أن تنجح في تشكيل أقطاب قوية تحمل برامج واقعية وقادرة على تنفيذها مبادرات متواضعة تراجع حس المبادرة لدى الأحزاب السياسية المغربية وقياداتها منذ العشرينية الأخيرة من القرن الماضي، واقتصرت على “مباركة”المبادرات الملكية وإعادة إنتاجها، فقد ظهر الملك محمد السادس بصورة المحرك الرئيسي للحقل السياسي المغربي في عدد من المبادرات على رأسها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وقضية الصحراء، وتأهيل المشهد السياسي، وإصلاح القضاء. ويرى عبد الرحيم منار السليمي الباحث في العلوم السياسية أن المبادرات الملكية وحاجيات المجتمع تجاوزتا سقف المبادرات الحزبية. مضيفا في تصريح سابق لـ”مغرب اليوم” أن قيادات الهيئات السياسية المغربية ظلت رهينة مرحلة معينة، موضحا أن أداء الأحزاب السياسية وإنتاج إشارات فوقية عابرة والبحث عن بناء توازنات جماعية لا تتجاوز البنية الحزبية الداخلية في تنظيمها الوطني أحيانا دون الانتباه إلى توازنات الدولة كمؤسسة. لا ديمقراطية داخلية تحرص الأحزاب المغربية على الظهور بمظهر يعطي الانطباع باعتماد الديمقراطية الداخلية، غلا أنها تظل الغائب الأكبر، حيث يسود انفراد القيادة الحزبية باتخاذ القرارات وإقصاء الأصوات المخالفة. وقد أكد محمد ضريف أستاذ العلوم السياسية أن غياب الديمقراطية يعود إلى طبيعة الثقافة الحزبية السائدة في المغرب مشيرا، في تصريح لـ”مغرب اليوم” إلى أن “تأسيس الأحزاب ارتبط في المغرب بمواجهة الاستعمار، فتكرست بذلك آلية الإجماع والزعامات الخالدة وإقصاء الرأي المخالف وتخوينه، عوض تكريس جوهر الثقافة الحزبية التي تؤمن بالاختلاف والتعدد”. في المقابل ارتبطت الثقافة الحزبية في المنظومة الليبرالية الحديثة بالتنافس والصراع حول البرامج دون إقصاء أو تخوين. وقد ساهم غياب الديمقراطية داخل الأحزاب في تفريخ أحزاب جديدة إذ لجأت عدد من الأسماء السياسية إلى تأسيس هيئات أخرى للتعبير عن موقفها أو الانتقال إلى فضاءات أرحب، ما تسبب في تمييع المشهد الحزبي بظهور أحزاب صغيرة لم تجد لها مكانا داخل الساحة السياسية، وعمق من ظاهرة الترحال في الآونة الأخيرة. استغلال النفوذ يشدد محمد ضريف على أن استغلال النفوذ داخل بعض الأحزاب السياسية يعود بالأساس إلى ما أسماه بـ”الإستراتيجية الغنيمة” موضحا أن الكثير من النخب السياسية لا تنظر إلى العمل السياسي على أنه مشروع يسعى إلى تطوير البلد عبر تشكيل قوة اقتراحية، من أجل إيجاد بدائل للخروج من الأزمة اقتصاديا وسياسيا وثقافيا بقدر ما تنظر إلى العمل السياسي كمطية للانتفاع والحصول على غنائم سياسية. ويعتبر استغلال النفوذ في الحقل السياسي أحد الأسباب الرئيسية وراء ويعتبر استغلال النفوذ في الحقل السياسي أحد الأسباب الرئيسية وراء إقصاء الكفاءات وإبعاد المواطنين عن العمل السياسي كما يفتح الطريق أمام أشخاص جدد لم يتدرجوا في مختلف الهياكل الداخلية للحزب. ومنذ تعيينه وزيرا سنة 2007 تعرض عباس الفاسي لوابل من الاتهامات لاستوزاره بعض أفراد عائلته وتوظيف بعضهم في مناصب سامية، اتهامات لم تقتصر على حزب الاستقلال بل شملت قيادات حزبية أخرى استغلت نفوذها الحزبي في توظيف الأقارب أو تمكينهم من مناصب صيادية كما هو الشأن بالنسبة لنجل محمد اليازغي الكاتب الأول السابق لحزب الاتحاد الاشتراكي الذي تمكن من التربع على رأس الشبيبة الاتحادية. الترحال السياسي إلى جانب استغلال النفوذ، يؤكد محمد ضريف أن اعتماد النخب السياسية المغربية لـ”اسرتيجية الغنيمة” أدى إلى بروز ظاهرة الترحال السياسي الذي عادة ما يثير ردود أفعال متباينة بين الالتزام بالبرامج الحزبية وحرية الانتماء السياسي. ويوضح الباحث في العلوم السياسية أن ترشيح الأحزاب السياسية المغربية للأعيان عوض مناضلين يؤمنون بمبادئ الحزب ساهم بشكل كبير في تفاقم الظاهرة. وبالرغم من وجود بند في مدونة الانتخابات يمنع البرلمانيين من الترحال خلال مدة الانتداب إلا ان تطبيقه على أرض الواقع تعثر عند أول تجربة. ظاهرة الترحال لم تثر الكثير من الجدل كما أثارته في الآونة الأخيرة وقبيل الانتخابات الجماعية الأخيرة تحديدا حيث انتقلت من النقاش السياسي إلى ردهات المحاكم، ليتعثر تطبيق المادة الخامسة من مدونة الانتخابات ويتواصل موسم الترحال البرلماني. ضعف التواصل يرى الباحث في العلوم السياسية أن ضعف الأداء والالتزام الحزبيين سببه غياب ثقافة “التواصل السياسي” التي تؤدي في غالب الأحيان إلى نفور المغاربة من العمل الحزبي ويستدرك المصدر ذاته قائلا :”إن الأحزاب المغربية أدركت متأخرة أهمية التواصل حيث بدأ العديد من الزعماء السياسيين يتلقون دروسا في علم التواصل السياسي من أجل التفاعل مع الرأي العام خلال الندوات والبرامج التلفزية”. وتكشف تصريحات الأمين العام لحزب العدالة والتنمية مثلا، افتقاد غالبية النخبة السياسية المغربية لثقافية تواصلية،في وقت تحظى الطبقة السياسية في معظم الدول الديمقراطية بدورات تكوينية في التواصل والخطابة. ويرى متتبعون أن حزب العدالة والتنمية كان أكثر الأحزاب تضررا من إشكالية التواصل السياسي بسبب تصريحات أمينه العام في عدد من اللقاءات التواصلية حيث دفع بالحزب على الاعتذار تارة وتوضيح مواقفه تارة أخرى. وليس بنكيران وحده من يحرج حزبه إذ إن كجمولة بنت أبي، البرلمانية عن حزب التقدم والاشتراكية فجرت قنبلة من العيار الثقيل حين شككت في رواية وزارة الداخلية حول أحداث العنف التي شهدتها مدينة العيون وتبنت رواية البوليساريو والجزائر، لتضع بنعبد الله ورفاقه في موقف محرج جعلهم يتبرؤون من تصريحاتها ويعتبرونها مواقف شخصية لا تمثل وجهة نظر الحزب. دبلوماسية محتشمة لم تستطع الأحزاب المغربية لعب ورقة الدبلوماسية الموازية للدفاع عن القضايا الحيوية للمغرب كما هو مفروض خصوصا قضية الوحدة الترابية. ففي مقابل تحرك دبلوماسي هجومي للهيئات السياسية للجارتين الجزائر وإسبانيا لم يرق مستوى أداء الفعاليات الحزبية المغربية إلى المطلوب في الدفاع بقوة عن المصالح العليا للبلاد في الخارج، أو على الأقل إحداث نوع من التغيير لدى الإطارات الحزبية الدولية التي تجمعها بها نفس المرجعية الإيديولوجية. وإذا كان تدبير الملفات الكبرى للمملكة بيد وزارة الداخلية خلال عقدي الثمانينات والتسعينات فإن التطورات التي عرفتها الوزارة مع تولي محمد السادس العرش لم تدفع الهيئات السياسية المغربية إلى لعب دور أكثر حضورا على الساحة الدولية، حيث ظلت شبه عاجزة عن تقديم مبادرات لشرح المواقف الوطنية والوقوف ضد أطروحات تحاول الجزائر وإسبانيا الترويج لها.