في الوقت الذي كانت فيه طنجة منطقة دولية خلال فترة الحماية الفرنسية والاحتلال الإسباني، استقطبت المدينة العديد من الشخصيات الأجنبية البارزة من كتاب وشعراء وموسيقيين والفنانين مثل ويليام بوروز وكيرترود سلين وفرانسيس بيكون وغيرهم، ومنهم من اتخذها مُستقرا له بعد أن ألهمته المدينة بسحرها وتنوعها الثقافي مثل الكاتب والمؤلف الموسيقي الأمريكي بول بولز الذي لقبها ب”مدينة الأحلام”.
وُلد الكاتب والمؤلف الأمريكي بول بولز بنيويورك عام 1910، انقطع عن دراسته وقرر عيش حياة الترحال دون أن يعلم أنه يوما ما سيتخلى عن هذه الحياة ليستقر في إحدى المدن بقية حياته.
يقول الكاتب المغربي عزيز أزغاي “في بداية ثلاثينيات من القرن العشرين، سيزور بولز مدينة طنجة المغربية لأول مرة، بتوصية من الأديبة الفرنسية جيرترود شتاين”، وعند وصول الفتى الذي يبلغ من العمر 21 ربيعا، تعرف لأول مرة على مدينة طنجة التي كانت بمثابة اكتشاف بالنسبة له، حيث صرح ” إذا قلت أن طنجة صدمتني باعتبارها مدينة أحلام، فأنا أعني ما أقوله حرفيا. تضاريسها غنية بمشاهد خرافية ومميزة: الأزقة المغطاة التي تشبه الممرات والأبواب التي تُفتح على الغرف من كل جانب و الشرفات الخفية المطلة على البحر والأزقة على شاكلة سلالم والممرات المظلمة والمساحات الصغيرة المرتبة بعناية في أماكن منحدرة والتي تبدو كزخرفات عرض باليه مرسوم بطريقة تتحدى القواعد والأزقة الضيقة المؤدية إلى جميع الاتجاهات. نجد كذلك أنفاقا وأسوارا وأنقاضا وأبراجا وأجرافا، والعديد من الأماكن الكلاسيكية لعالم الأحلام”.
أقام بولز رُفقة زوجته جين آور في منزل في المدينة القديمة في منطقة القصبة، وبدلاً من المكوث في هذه المدينة صيفاً واحداً، سكن فيها وتناغم مع طبيعتها طوال أربعة عقود وبِضْع. واعترف مرات عديدة أن طنجة كانت مصدر إلهامه، إذ كان مجتمعها يوفر له مادة غنية لتأليف أعماله الأدبية. حيث ألف فيها روايته “السماء الواقية” التي تم إنتاجها سينمائيا من قبل المخرج الإيطالي برناردو برتولوتشي، والتي ضمنتها مجلة “تايم” للائحة “من أفضل 100 روايات باللغة الإنجليزية بين عامي 1923 و2005”.
جمع الأديب بول بولز بين الأصول الأمريكية والثقافة الفرنسية والروح المغربية وعاش على أرض “مدينة الأحلام” قرابة 52 عاما، إلى أن توفته المنية عام 1999 عن عمر يناهز 88 عاما.
ترجمته بتصرف : أسماء مخفاوي