محمد بوزيدان
بدأت علاقة كليان مبابي اللاعب الفرنسي من أصول كاميرونية، مع ريال مدريد بتاريخ 14 يونيو 2017 في فندق بالعاصمة الفرنسية باريس، في ذلك الأربعاء، التقى مسؤول تنفيذي كبير في ريال مدريد مع ويلفريد مبابي وهو والد كيليان، وعرض عليه ما سيقدمه الفريق الملكي لابنه إذا توصلا إلى اتفاق ووقع اللاعب مع الريال. تضمن ذلك العرض عقدا لمدة ستة مواسم براتب سنوي صافٍ قدره سبعة ملايين أورو مع امتيازات أخرى، عُمر مبابي حينها لم يتجاوز 18 سنة، كان رهان أسرته على مغادرة فريقه موناكو وضمان موقع له مع الفرق الكبرى، أي أن يلعب أساسيا كي تتطور مواهبه.
الأرقام التي حققها مع فرقيه موناكو في سنته الثانية كمحترف جعلت منه نجما عالميا تتهافت عليه النوادي الأوروبية الكبرى، فقد سجل 26 هدفًا و8 تمريرات حاسمة في 44 مباراة، وما لا يقل عن ستة أهداف في تسع مباريات في دوري أبطال أوروبا مما أهله ليُختار ضمن الفريق المثالي لشامبيونز ليغ سنة 2018. في الدوري الفرنسي كان تأثيره أكبر حيث سجل 15 هدفا في 29 مباراة، وكانت أهدافه حاسمة لفوز موناكو بالدوري الفرنسي مرة أخرى بعد 17 سنة من الغياب، مما ساعده على التتويج كأفضل لاعب شاب في البطولة، وفي نفس تلك السنة شارك في مونديال روسيا مع منتخب بلاده، وهي أول مشاركة له وسجل أربعة أهداف ليُتوج رفقة فريقه بطلا للعالم.
لكل هذه الأسباب، من السهل أن نفهم أن الأندية الرئيسية في أوروبا سارعت لمحاولة التعاقد معه ـ كما قلنا سابقا ـ كمانشستر سيتي، حيث قابل مدربه بيب جوارديولا سنة 2018 اللاعب لمحاولة إقناعه، كما فعل في العام الذي قبله مع البرازيلي الشاب جابرييل جيسوس، لكنه لم يفلح مع مبابي. كذلك بادر أوناي إيميري مدرب باريس سان جيرمان حينها، فاجتمع مع كيليان وعائلته في وجبة غذاء بباريس لشرح مشروعه وضمان أساسية مبابي في باريس سان جيرمان، وهو أحد الشروط الهامة التي وضعتها أسرة اللاعب.
ريال مدريد لم يكن بعيدا عن تلك التحركات، فالعلاقة بين الطرفين ـ مبابي وريال مدريد ـ بدأت قبل وقت طويل من اجتماع يونيو 2017، الذي حصل فيه على أولى المقترحات العديدة التي تلقاها مبابي من ريال مدريد والتي توالت طيلة السنوات الست التالية. لكن التعارف بين الطرفين كان سابقا عن ذلك التاريخ بأربع سنوات، وتحديداً منذ دجنبر 2012، حيث قدم له والداه ـ الذين لم يكونا قد افترقا بعد ـ ويلفريد مبابي وفايزا لاماري، هدية عيد ميلاده، وهي السفر إلى العاصمة الإسبانية مدريد، وأخذوه على حين غرة إلى المدينة الرياضية للفريق الملكي حتى يتمكن من تحقيق حلمه ومقابلة زين الدين زيدان وكريستيانو رونالدو، الذي كانت جدران غرفته مليئة بصوره.
في شهر يونيو 2017، فاز ريال مدريد في كارديف بدوري أبطال أوروبا الثاني عشر ضد يوفنتوس، وذلك بعد أسبوعين من فوزه بدوري البطولة الإسبانية الثالث والثلاثين. على الرغم من أنها قد تبدو مفارقة، إلا أن هذا التتويج المزدوج أثّر سلبا على توقيع مبابي لريال مدريد، وذلك رغم تمكن النادي الأبيض من التوصل إلى اتفاق مع موناكو لانتقال مهاجمه الواعد بمقدار 180 مليون أورو (150 ثابتة بالإضافة إلى 30 مليون أورو في المتغيرات)، لكن العقبة الكبرى أمام إغلاق الانتقال هي اللاعب نفسه، حيث شكّك والداه في أن ريال مدريد، الذي فاز للتو بدوري أبطال أوروبا للمرة الثالثة في المواسم الأربعة الماضية، سيكون قادرًا على التخلص من أحد نجومه الثلاثة الذين منحوه الألقاب (كريستيانو، بيل، وبنزيمة). كان شكهما في محله لأن النادي الملكي خطط حينها للتعاقد مع مبابي وتركه مع فريقه موناكو على سبيل الإعارة عاما آخر، وهو الأمر الذي لم تقبله أسرة اللاعب بتاتا.
على العكس من ذلك فباريس سان جيرمان الذي ضمن له مكانا أساسيا في التشكيلة الرسمية، كان قد توصل عن طريق رئيسه ناصر الخليفي إلى اتفاق مع موناكو على إعارة لمدة موسم واحد مع خيار شراء إلزامي بقيمة 180 مليون للصيف التالي، وهكذا التحق كيليان مبابي بباريس سان جيرمان في موسم 2017/2018.
لم يستسلم فلورينتينو بيريز وحافظ على نفس الهدف، رغم أن مبابي قد تلاعب بمشاعر المدريديين، خاصة لمّا ظهر في شهر ماي 2022 مع رئيس باريسان جيرمان على أرضية ملعب الأمراء وهما يحملان قميصا كُتب عليه رقم 2025، في إشارة إلى أن اللاعب جدد مع الفريق الباريسي لغاية سنة 2025. وهو الأمر الذي لم يكن دقيقا، لأن حقيقة العقد الموقع حينها أشار إلى التجديد لمدة عامين فقط مع موسم واحد اختياري.
وفقا لجريدة ليكيب الفرنسية فإن ذلك العقد الذي وقعه مبابي مع باريس سان جيرمان، الأكبر ماليا في تاريخ كرة القدم العالمية، نصَّ على تلقي اللاعب 72 مليون يورو في الموسم الواحد، إضافة إلى منحة التوقيع وحقوق الصورة، ومِنح الفوز بالألقاب. وبالتالي إِن استكمل مبابي العقد بأكمله (عامين زائد واحد أي إلى غاية سنة 2025)، لكان المهاجم سيتلقى 630 مليون يورو، متجاوزا بذلك 555 مليون أورو التي حققها ميسي سنة 2017 بعد تجديده لبرشلونة.
عقب تلك الصدمة لريال مدريد الذي كان يمني النفس بالتحاق مبابي تلك السنة، نادت أصوات صحفية، وروابط محبي النادي الأبيض وبعض كبار اللاعبين القدماء، أن مبابي شخصية غير مرغوب فيها، وأنه لا يجب أن يحمل ألوان النادي حتى لو أتى مجانا، لأن ريال مدريد أكبر من أي لاعب، وتحدثت الإذاعات الإسبانية مطولا، وتم التشكيك في قدرات الرئيس فلورينتينو الذي نجح قبل ذلك في استقدام خيرة نجوم العالم، فيغو، ورونالدو الظاهرة، وزيدان، وبيكهام..لكنه فشل مع مبابي.
رسميا التزم النادي الملكي الصمت ولم يصدر عنه أي تعليق مُسيئ للاعب، ولم يُدْلِ فلورينتينو بأي تصريح حول الموضوع، وبعد سبع سنوات من الانتظار ينجح ريال مدريد أخيرا في التعاقد مع كيليان مبابي في أحسن أحول النادي الملكي، حيث فاز للتو بشامبيونز ليغ رقم 15 وقبلها الليغا الإسبانية وكأس السوبر المحلي، وبدون مقابل مالي لباريسان جيرمان، لكن مع منحة توقيع كبيرة.
ماذا سيربح مبابي مع ريال مديريد؟
قبل التطرق للربح المادي والاقتصادي، لا شك أن اللاعب متعطش لتحقيق ما لم يحققه قبل ذلك، وأعني به التتويج بتشامبيونز ليغ، التي ضربت فيها الريال كل الأرقام القياسية، والحصول على الكرة الذهبية كأفضل لاعب في العالم، في هذا المستوى يبدو اللاعب أكثر احتياجا لريال مدريد من احتياج النادي له، فقد حقق ريال مدريد كل الألقاب تقريبا دون مبابي الذي عليه أن يجد له مكانا مناسبا في التشكيلة، فالموقع المفضل له ـ الجهة اليسرى ـ هي التي يلعب فيها فينيسيوس، هل سيكون المدرب المحنك كارلو أنشيلوطي قادرا على حل هذا التحدي؟
أما ماليا، فإن النجم الفرنسي سيتقاضى مبلغ 15 مليون أورو في الموسم، وسيحصل على مكافأة توقيع تبلغ حوالي 100 مليون أورو، بحيث سيعتبر الأعلى أجرا في الفريق. فينيسيوس يتلقى 12 مليون أورو، وجود بيلينغهام ما يقارب 11 مليون أورو، وألابا 12.5 مليون أورو في السنة، إضافة إلى احتفاظ مبابي بـ 80 بالمائة من حقوق الصورة.
بهذا التعاقد الكبير ستعود الليغا لاستقطاب أفضل النجوم بعد رحيل كريستيانو رونالدو وليونيل وميسي، وسيصبح ريال مدريد مؤهلا من جديد لحصد أهم الألقاب في المواسم المقبلة، في انتظار ما ستفعله الفرق الأوروبية الكبرى، لكن حلاوة كرة القدم وسحرها الكبير أنها لا تحترم المنطق، فريال مدريد حقق الألقاب بعد رحيل رونالدو وبنزيما خارج كل التوقعات، بلاعبين لا يعرفهم أحد حينها كباثكيث وفالفيردي.. فهل سيستمر في ذلك مع مبابي، كل التوقعات تقول نعم، لكن الميدان له خصوصياته وأسراره. فلننتظر!