في زوايا “السوق الداخل” التاريخي بالمدينة العتيقة لطنجة، حيث يعلو الضجيج وتترأى الألوان التي تملأ أجواء الأزقة الضيقة، يعيش صنف من التجار حالة من التوتر المكتوم.
السوق، الذي لطالما كان مقصدًا للزوار من كل بقاع العالم، بات يشهد ركودًا ملحوظًا في العديد من محلاته، وسط صدام مستمر بين التجار ومجموعة من مرافقي السياح المغاربة الذين ينتحلون صفة “مرشدين” خارج القانون.
وعلى امتداد الأزقة الضيقة، تمر مجموعة من السياح برفقة مرافقيهم، تتوجه خطواتهم بثقة نحو عدد محدود من المحلات المنتقاة بعناية.
بعض التجار يراقبون المشهد من خلف محلاتهم، حيث تبقى السلع معروضة دون أن تلقى اهتمامًا يُذكر. “إنهم يتجنبوننا تمامًا”، يقول أحد الباعة وهو يقلب بضاعته بيدٍ متعبة. “السياح لا يرون السوق بأكمله، فقط تلك المتاجر التي يأخذونهم إليها.”
في عمق السوق، يمكن رؤية التفاوت الكبير بين المحلات. متاجر محددة تعج بالزوار، تُقدَّم فيها العروض بتفاخر وتُعقد الصفقات تحت أنظار مرافقي السياح، الذين يقفون بابتسامات عريضة.
أما في المحلات الأخرى، التي تمتد على جانبي الأزقة، فلا تزال الحركة محدودة، وأصحابها يتبادلون النظرات بين بعضهم البعض، في انتظار زبون قد لا يأتي.
ووسط هذا المشهد المتكرر، يتم الاشارة بأصابع الاتهام الى مرافقي السياح، الذين يُعتبرون جزءًا من المشهد اليومي، بأنهم يقبضون عمولات من المحلات المختارة، ما جعل باقي المتاجر تعاني من التهميش. “لقد صنعوا لأنفسهم نظامًا لا يسمح للعملية التجارية بأن تأخذ مجراها الطبيعي”، يقول أحد التجار، وهو يشير إلى المرافقين الذين يقودون زوارهم بعيدًا عن متجره.
أكثر ما يثير غضب التجار، هو ما يُقال للسياح. وفقًا للعديد منهم، يوهم هؤلاء المرافقون زبائنهم بأن المتاجر الأخرى غير آمنة وقد يتعرضون للنصب إذا اشتروا منها. “هذا كلام عارٍ من الصحة، ولكنه يُثني السياح عن الدخول إلى محلاتنا”، يقول تاجر آخر، وقد بدا عليه الاستياء من الحملة التي يُزعم أنها تُدار ضدهم.
في هذا الجو المشحون، باتت الأصوات تتعالى بين التجار، مطالبين السلطات بالتدخل. “نريد فقط منافسة عادلة”، يصرخ أحدهم. “السوق للجميع، ولا يجب أن يُحتكر من قبل قلة قليلة.”
بينما تستمر المواجهة بصمت، تبقى صورة “السوق الداخل” متغيرة، حيث يعاني جزء كبير من المحلات في ظل هذا الصراع الخفي، بانتظار حل يعيد الحياة إلى كل زواياه.