مكنت المشاريع المهيكلة الكبرى التي تم إنجازها بجهة طنجة تطوان الحسيمة خلال فترة ربع قرن الماضية من توفير مناخ ملائم للنمو والتطور للنسيج المقاولاتي. حيث شهدت الجهة تحولًا اقتصاديًا هائلًا أسهم في تعزيز البنية التحتية ودعم المقاولات بمختلف أحجامها.
من بين أبرز المشاريع التي ساهمت في هذا التحول هو إنشاء المنطقة الحرة بطنجة في عام 1999، التي تعد منطقة حرة متعددة الأنشطة. تلاها في عام 2003، وضع جلالة الملك محمد السادس حجر الأساس لإنشاء ميناء طنجة المتوسط، الذي أصبح مركزًا اقتصاديًا هامًا يربط المغرب بالعالم. بالإضافة إلى ذلك، تم تطوير شبكة الطرق السيارة والخط السككي الفائق السرعة مما عزز الربط بين مختلف المناطق الاقتصادية وساهم في تحسين سهولة التنقل والنقل اللوجستي.
وقد أرست هذه البنية التحتية المتطورة دعائم راسخة لازدهار المقاولات المتوسطة والكبرى، فكانت بمثابة حافز قوي دفعها نحو الإقلاع والنمو والتطور. ولم تقتصر الاستثمارات على تأسيس بنية تحتية متينة فحسب، بل شملت أيضًا تحسين الخدمات اللوجستية وتبسيط الإجراءات الإدارية، مما أسهم في خلق بيئة استثمارية جاذبة ومحفزة على الاستثمار.
في هذا الصدد، يبرز رشيد الورديغي، رئيس الهيئة المغربية للمقاولات، أهمية هذه المشاريع بقوله: “لا يمكن الحديث عن بيئة ملائمة للأعمال من دون مشاريع هيكلية كبرى. فقد انخرط المغرب في هذه الدينامية منذ سنة 2000، خصوصا في جهة طنجة تطوان الحسيمة”. وأضاف الورديغي في تصريحات لـ”طنجة 24″ أن المشاريع المهيكلة الكبرى ساهمت بشكل كبير في إعطاء دفعة قوية للنسيج الاقتصادي بالجهة، مشددًا على أن تعزيز البنيات التحتية وتحسين مناخ الأعمال يعتبران دعامتين أساسيتين لإنضاج شروط تطور المقاولات وإسهامها في خلق الثروة وتوفير فرص الشغل.
ومن بين القطاعات التي استفادت من هذه الأرضية يأتي قطاع النسيج، الذي شهد تطورًا ملحوظًا بفضل المشاريع الكبرى المنجزة في جهة طنجة تطوان الحسيمة. إذ يعد قطاع النسيج المشغل الأول في هذه الجهة، ويوفر أكثر من 120,000 فرصة عمل، ما يعادل 46.5% من اليد العاملة في هذا المجال على المستوى الوطني، وفقًا لتصريحات ياسين العرود، رئيس الجمعية المغربية لصناعات النسيج والألبسة – فرع الشمال.
علاوة على ذلك، أسهمت صلابة القاعدة الاقتصادية في جهة الشمال في جعل قطاع النسيج رائدًا على الصعيد الوطني والدولي، رغم التحديات العالمية. ووفقًا للعرود، يتمتع القطاع بسمعة طيبة تجعل الماركات العالمية تثق به وتمنحها الأولوية على حساب مناطق أخرى، مما يعزز من قدراته التنافسية. وأضاف العرود أن الاستقرار السياسي والقرب الجغرافي من أوروبا، إلى جانب السمعة المتميزة للمغرب في مجالات الجودة وسرعة التسليم، يسهم في جعل قطاع النسيج شريكًا موثوقًا للماركات العالمية.
والأكيد أن هذه الطفرة البنيوية أسهمت بشكل مباشر في تعزيز النسيج المقاولاتي بجهة طنجة تطوان الحسيمة. فالمنصة الصناعية طنجة المتوسط، التي تحتضن 1200 مقاولة، تُعد مثالاً بارزاً على هذا التحول، حيث ساعدت في توفير بيئة مناسبة للنمو والابتكار. كما شهدت جهة طنجة تطوان الحسيمة زيادة كبيرة في أعداد المشاريع الاستثمارية المصادق عليها من طرف اللجنة الجهوية للاستثمار، حيث بلغ عددها 709 مشروعًا في سنة 2023، بارتفاع نسبته 93.5% مقارنةً بسنة 2022.
ورغم هذه النجاحات، فإن الورديغي يؤكد على ضرورة استمرار الإصلاحات والتطوير، مشيرًا إلى أهمية إصلاح نظام الطلبيات العمومية وتحسين شروط حصول المقاولات المتوسطة والصغرى والصغيرة جدًا على التمويل اللازم من المؤسسات البنكية. في حين يرى العرود، انه من الضروري العمل على توفير المادة الخام داخل المغرب لتقليل الاعتماد على الاستيراد وتعزيز القدرة التنافسية للقطاع على المستوى الدولي.
في المجمل، تعكس هذه المشاريع الهيكلية الكبرى التأثير الإيجابي على تطوير النسيج المقاولاتي، من خلال توفير فرص عمل جديدة، تحسين الخدمات اللوجستية، وتبسيط الإجراءات الإدارية، مما جعل المنطقة بيئة جاذبة للاستثمارات المحلية والدولية، وساهم في تعزيز قدرة المقاولات على النمو والتوسع، ما يعزز من مكانة جهة طنجة تطوان الحسيمة كمحور اقتصادي حيوي في المغرب.