لقد أصبح حديث الساعة تعميم الإدارة الإلكترونية و النموذج التنموي الجديد،إذ لا يمكن فصلهما عن بعض فهما وجهان لعملة واحدة،فالادارة الالكترونية تعتبر الوسيلة الناجعة لنجاح النموذج التنموي الجديد.
كما هو معلوم أن صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله أعلن السنة الماضية بمناسبة افتتاح البرلمان يوم الجمعة 13 اكتوبر 2017 عن فشل النموذج التنموي،و ان هذا النموذج مهما بلغ من نضج سيظل محدود الجدوى،و في سنة 2018 بمناسبة افتتاح البرلمان يوم الجمعة 12 أكتوبر 2018 اكد جلالته انه سيتم تكليف لجنة من اجل جمع المساهمات و تمحيصها و ترتيبها و بلورتها و رفعها الى جلالته حول مشروع النموذج التنموي الجديد.
و المغرب كما هو معلوم انه يبذل مجهودات و يقوم بإصلاحات لجعل الإدارة في خدمة المواطن،و جعل المواطن في صلب اهتماماتها.
و بالتالي إلى أي حد ستساهم الإدارة الإلكترونية في انجاح النموذج التنموي الجديد؟
للإجابة على هذه الإشكالية اعتمدنا التقسيم التالي:
المبحث الاول:تحديث الإدارة و دورها في التنمية
بالرجوع إلى الخطاب الملكي السامي لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة افتتاح البرلمان يوم الجمعة 14 اكتوبر 2016،نجد ان جلالته قال:”..إن الهدف الذي يجب أن تسعى إليه كل المؤسسات ، هو خدمة المواطن. وبدون قيامها بهذه المهمة، فإنها تبقى عديمة الجدوى، بل لا مبرر لوجودها أصلا…فالغاية منها واحدة ، هي تمكين المواطن من قضاء مصالحه، في أحسن الظروف والآجال، وتبسيط المساطر، وتقريب المرافق والخدمات الأساسية منه.
أما إذا كان من الضروري معالجة كل الملفات، على مستوى الإدارة المركزية بالرباط ، فما جدوى اللامركزية والجهوية، واللاتمركز الإداري، الذي نعمل على ترسيخه، منذ ثمانينيات القرن الماضي.
إن تدبير شؤون المواطنين، وخدمة مصالحهم ، مسؤولية وطنية، وأمانة جسيمة، لا تقبل التهاون ولا التأخير…إن المرافق والإدارات العمومية، تعاني من عدة نقائص ، تتعلق بالضعف في الأداء، و في جودة الخدمات، التي تقدمها للمواطنين.
كما أنها تعاني من التضخم ومن قلة الكفاءة ، وغياب روح المسؤولية لدى العديد من الموظفين…” و بالتالي نستشف ان جلالته كشف عن العيوب التي تعاني منها المرافق العمومية،و يعتبر التحديث كمدخل لتحسين علاقة الإدارة بالمواطن.
إن عصرنة و تحديث الإدارة رهين بمدى توفر هذه الأخيرة على بنيات جيدة تحقق الاهداف المرسومة و المهام الموكولة إليها.
فإذا كان تحديث الإدارة يهدف الى ضمان الجودة في الخدمات المقدمة إلى المواطنين فإنه أيضا يهدف الى ضمان الشفافية و التخليق، هذين المبدأين المنصوص عليهما في الفصل 154 من دستور 2011(1)،فالشفافية تقتضي جعل المواطن في صلب علاقته مع الإدارة و هذا ما نستنتجه من الفصل 156 من الدستور الجديد الذي يؤكد على ان من حق المرتفقين تقييم عمل الادارة و تقديم الملاحظات و الاقتراحات،كما ان مبدأ الشفافية سيساهم في تفعيل حق الحصول على المعلومة المنصوص عليه في الفصل 27 من الدستور،اما بخصوص التخليق،نجد ان صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله منذ اعتلائه العرش تبنى مفهوم جديد للسلطة و دعا في اكثر من مناسبة الى تخليق المرفق العام،فالتخليق و الشفافية مهمة أسندت لمؤسسة دستورية جديدة و هي مؤسسة الوسيط المنصوص عليها في الفصل 162 من الدستور الجديد.
فتحديث الإدارة سيساهم في تحسين استقبال كافة المرتفقين،بإعتبار ان الاستقبال يشكل دعامة أساسية في العلاقة ما بين الإدارة و المواطن،و اكد جلالة الملك في خطابه السامي بمناسبة افتتاح البرلمان سنة 2016 إلى حسن استقبال المواطن،معتبرا ان بدون هذا الأخير لن تكون هناك إدارة،و بالتالي كلما تدرجت الإدارة نحو العموم و إلا و عرفت كافة متطلباتهم و استجابت لها.
المبحث الثاني:دور الإدارة الإلكترونية في تبسيط المساطر لتكريس نموذج تنموي ناجح:
تحدث صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في خطابه السامي بمناسبة افتتاح البرلمان سنة 2016 عن العراقيل التي تواجه المواطن او المستثمرين،حيث اكد جلالته ان الهدف من احداث المراكز الجهوية للاستثمار و الشباك الوحيد هو تبسيط المساطر و تسريع اتخاذ القرارات،و أن الشباك الوحيد ما هو إلا سلسلة من الاصلاحات من أجل ايجاد حلول للمشاكل،و اعتبر جلالته انه اذا لم يبسط المساطر سيضيع الاستثمار و بالتالي فقدان خلق مناصب الشغل،و تساءل جلالته انه كيف سيتم إذن تفعيل باقي البنود التي تضمنتها الرسالة الملكية الموجهة الى الوزير الأول سنة 2002 حول التدبير اللامتمركز للاستثمار،و التي تصب في علاقة المواطن بالادارة.
و تلعب الإدارة الإلكترونية دورا هاما في تبسيط المساطر و هذا ما نستشفه من خطاب جلالة الملك بمناسبة افتتاح البرلمان سنة 2016:”…إن إصلاح الإدارة يتطلب تغيير السلوكات والعقليات ، وجودة التشريعات ، من أجل مرفق إداري عمومي فعال ، في خدمة المواطن .
فالوضع الحالي ، يتطلب إعطاء عناية خاصة ، لتكوين وتأهيل الموظفين ، الحلقة الأساسية في علاقة المواطن بالإدارة ، وتمكينهم من فضاء ملائم للعمل ، مع استعمال آليات التحفيز والمحاسبة والعقاب.
كما يتعين تعميم الإدارة الإلكترونية بطريقة مندمجة ، تتيح الولوج المشترك للمعلومات بين مختلف القطاعات والمرافق .
فتوظيف التكنولوجيات الحديثة، يساهم في تسهيل حصول المواطن، على الخدمات، في أقرب الآجال، دون الحاجة إلى كثرة التنقل والاحتكاك بالإدارة ، الذي يعد السبب الرئيسي لانتشار ظاهرة الرشوة، واستغلال النفوذ.
وهو ما سبق أن أكدنا على ضرورة محاربته في مفهومنا للسلطة .
وتعتبر الجهوية المتقدمة التي أصبحت واقعا ملموسا ، حجر الزاوية الذي يجب أن ترتكز عليه الإدارة، في تقريب المواطن من الخدمات والمرافق، ومن مركز القرار…”،و بالتالي نجد ان الإدارة الإلكترونية ستمكن المواطن من متابعة القضايا و ضبطها و معرفة جميع الأطوار التي قطعتها،و هذا فيه تدعيم للشفافية،و إرساء لقواعد الحكامة الجيدة و تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة.
فتبسيط المساطر لما لها من دور فعال في تحديث و إصلاح الإدارة يشكل خطوة هامة نحو اصلاح اداري و جعل المواطن في قلب الإصلاح،كما ان التبسيط سيساهم في تعزيز الثقة ما بين الإدارة و المواطن،و جلب الاستثمارات و خلق فرص الشغل من أجل نموذج تنموي ناجح و فعال و مجد،و هذا ما نستشفه من خطاب عيد العرش سنة 2018 حيث دعا جلالة الملك المراكز الجهوية للاستثمار باتخاذ القرارات بأغلبية الأعضاء الحاضرين،و ان يتم تجميع جميع اللجان المعنية بالاستثمار في لجنة جهوية موحدة،بل اكثر من ذلك أكد جلالته ان الرد على ملفات الاستثمار يكون داخل اجل شهر،و عدم رد الإدارة يعد بمثابة قبول،و ان الإدارة لا ينبغي عليها ان تطلب من المستثمرين إحضار وثائق تتوفر لدى ادارات أخرى،بل هي تتكفل بهذه المهمة من اجل تشجيع التنسيق و تبادل المعلومات بين الادرات و فيه تبسيط للمساطر أيضا.
و في الختام،بكل صدق و موضوعية،فالرؤية الملكية هي الارتقاء بالإدارة المغربية إلى مصاف الدول المتقدمة من اجل إنجاح النموذج التنموي.
فنجاح النموذج التنموي الجديد رهين بالادارة الإلكترونية،و كذلك بإصلاح سياسي،بمعنى يتعين على الاحزاب السياسية القيام بالدور الذي أنيط بها على الصعيد الدستوري،و قبل الختم سنستحضر مقتطفا من الخطاب الملكي السامي لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره بمناسبة عيد العرش سنة 2017،الذي يعتبر الإطار الموجه لنجاح النموذج التنموي،إذ قال جلالته:”…فالمغرب هو وطننا،و هو بيتنا المشترك،و يجب علينا جميعا،ان نحافظ عليه،و نساهم في تنميته و تقدمه…إننا نستطيع أن نضع أنجع نموذج تنموي، وأحسن المخططات والاستراتيجيات. إلا أنه :
– بدون تغيير العقليات،
– وبدون توفر الإدارة على أفضل الأطر،
– وبدون اختيار الأحزاب السياسية لأحسن النخب المؤهلة لتدبير الشان العام،
– وفي غياب روح المسؤولية ، والالتزام الوطني ، فإننا لن نحقق ما ننشده لجميع المغاربة ، من عيش حر كريم…”
(1) الظهير الشريف 1.11.91 الصادر بتنفيد الدستور الجديد بتاريخ 29 يوليوز 2011،الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر.