بمجرد الإعلان عن ثبوت رؤية هلال شهر رمضان، ينفض المعلم حسن الغبار عن طبلته وعوده الخشبي، اللذان إحتفظ بهما لأزيد من ربع قرن، فأمامه ليلة طويلة وشهر أطول سيقضيهما في محاولة إيقاظ النائمين وحثهم على النهوض لتناول وجبة السحور وأداء صلاة الفجر.
فرغم ظروف الحجر الصحي وحالة الطوارئ التي تعيشها المملكة، بالإضافة الى التطور التكنولوجي، الذي أتاح مجموعة من الوسائل والتقنيات الحديثة التي يمكن من خلالها الإستيقاظ في الوقت الذي يريده الشخص وبالنغمة التي يحبها، إلا أن مهنة “المسحراتي” أو “طبال السحور” ما زالت متواجدة بمجموعة من أحياء مدينة طنجة، خصوصا الشعبية منها، الأمر الذي يضفي نوعا من السحر والخصوصية على هذا الشهر الكريم.
ويحاول المعلم حسن من خلال هذه المهنة الموسمية، إعادة إحياء التقاليد والعادات المغربية الأصيلة خلال شهر رمضان، عبر طوافه على المنازل المتواجدة بحي بني مكادة بمدينة طنجة، ومحاولة إيقاظ أهلها بضربات متناغمة على جلدة طبلته العتيقة.
ولا يلقي المعلم حسن بالا لهذه الأجهزة الحديثة، ولا للتغيير الذي يحدث على عادات الطنجاويين في هذا الشهر حيث يفضل أغلبيتهم السهر فيه وقضاء الليالي في السمر والحديث الجماعي داخل البيوت، فهو يمضي بعزم في الدروب والأزقة محاولا إحياء عادة رمضانية ترسخت في ذاكرة الجميع، وصارت جزء لا يتجزأ من الموروث الثقافي والتاريخي المرتبط بهذه الفترة من السنة.
وعن إختياره لهذه المهنة يقول المعلم حسن، أنه سار على درب أباءه وأجداده اللذين وهبوا جزء من وقتهم خلال هذا الشهر الكريم، لإيقاظ النيام وحثهم على السحور الذي أوصى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم في إحدى أحاديثه، وذلك رغم العائد الضئيل والشكاوى المتكررة من بعض الرافضين لهذه العادة.
وبخصوص ظروف الحجر الصحي وحالة الطوارئ، أكد المعلم حسن أن هذه سنة الأمر مختلف كثيرا، فالخروج من المنزل أصبح محفوفا بالمخاطر، والحرص يجب أن يكون مضاعفا لكي لا يتسبب في مرض عائلته، لذا فور عودته الى المنزل يقوم بإتخاذ جميع الإحترازات اللازمة، ناهيك عن ارتدائه للكمامة الواقية طيلة الجولة.
وحسب الروايات التاريخية، فإن والي مصر عتبة بن إسحاق هو أول من طاف شوارع القاهرة ليلا في رمضان لإيقاظ أهلها لتناول طعام السحور في العام 238 هجرية الموافق لـ853 ميلادية، قبل أن تصبح بعد ذلك عادة إنتقلت إلى باقي الدول العربية والإسلامية عن طريق الفتوحات والإسفار المتبادلة.
وعلى مر العصور ومع اتساع رقعة الدولة الإسلامية بدأ المسلمون يتفننون في أساليب الإيقاظ وظهرت وظيفة “المسحراتي” في الدولة الإسلامية في العصر العباسي بشكلها التقليدي، أما فى العصر الفاطمي فقد أمر الحاكم بأمر الله الفاطمي الناس أن يناموا مبكرين بعد صلاة التراويح وكان الجنود يمرون على المنازل ويدقون أبوابها ليوقظوا المسلمين للسحور، لتصل الأمور في العصر الحديث إلى المغاربة اللذين أخذوا هذه العادة عن الشرق وقرروا الإضافة فيها، عبر الإكتفاء فقط بالطبل أو بمزمار طويل يطلق عليه “النفار”.
وسواء كان الإيقاظ للسحور بواسطة “الطبلة” أو “النفار”، فإن الأجواء الرمضانية بطنجة خصوصا في ظل هذه الظروف لن تكتمل إلا بوجود المسحراتي، الذي يضفي طابعا تقليديا على هذا الشهر الكريم، يغوص من خلالها بالجميع في عوالم روحانية تتجلى مطلع كل فجر.