تتنفس طنجة نسائم الخريف الباردة، وتكتسي المدينة هدوءًا ساحرا مميزًا تحت سماء ملبدة بالغيوم.
كورنيش المدينة المطل على شاطئها الرملي الذهبي المعىوف بـ”البلايا” واسع يبدو في تلك اللحظات وكأنه مسرح للطبيعة فقط.
وكانت الأمطار المتفرقة التي شهدتها طنجة مساء السبت، تضفي على المكان لمسة من الرطوبة، فيما انتشرت قطرات الماء على الممرات، تاركة أثرًا يلمع تحت الأضواء الخافتة.
في هذه الأجواء، قلّ عدد المرتادين؛ فمن اعتادوا على التجول في الكورنيش فضلوا التزام منازلهم، ليصبح المشهد أقل صخبًا وأكثر سكونًا.
البحر، بهدوء مياهه وهدير أمواجه الخفيفة، كان الشريك الأساسي في هذه الليلة الخريفية، ورذاذ المطر المتقطع أضفى مزيدًا من الجاذبية على المشهد، حيث امتدت أمواج البحر لتحتضن الرمال المبللة برفق. من بعيد، يبدو الشاطئ وكأنه لوحة تمتزج فيها الألوان الباهتة للسماء مع لمعان الرمال المبتلة.
المقاهي المطلة على الكورنيش كانت ملاذًا آخر، ولكن هذه المرة من نوع مختلف. فلم يكن هناك جلوس في الهواء الطلق أو مظلات تستقبل الزوار كما في الأيام الأكثر دفئًا.
الداخل، على العكس، كان يعج بالحركة. عشاق كرة القدم توافدوا إلى المقاهي لمتابعة مباراة الكلاسيكو التي جمعت برشلونة وريال مدريد. وبين الشاشات الكبيرة، تحولت المقاهي إلى نقاط تجمع لعشاق اللعبة، حيث ارتفعت الهتافات والتشجيعات مع كل هجمة، في تناقض صارخ مع هدوء الكورنيش في الخارج.
ومع أن الأمطار المتفرقة أضفت على الأجواء بعض البرودة، إلا أن قلة من المتنزهين استغلوا تلك اللحظات للمشي على طول الممرات الرطبة. البحر كان هادئًا، ونسيم الخريف المتجدد يحمل معه رائحة المطر الممتزجة بالملح، لتخلق لحظات من التأمل العميق. الممرات بدت شبه خالية، لكن من فضلوا السير شعروا وكأنهم في حضرة الطبيعة، بعيدًا عن صخب الحياة اليومية.
ومع تقدم الليل، خرج بعض رواد المقاهي بعد انتهاء المباراة، ليتجولوا قليلاً على طول الكورنيش. رغم برودة الجو، لم يتمكنوا من مقاومة جاذبية البحر الذي استمر في ترديد أنغام أمواجه.
الأجواء بعد المباراة عادت لتستعيد هدوءها المعتاد، إذ بدا الكورنيش وكأنه يودع آخر الزوار، تاركًا خلفهم مساحة شاسعة من الرمال الممتدة والسماء التي لا تزال تلوح ببعض الغيوم المتفرقة.
في تلك الأمسية الخريفية، كانت طنجة وممشاها البحري أشبه بمزيج من السكون والطبيعة الحية، حيث البحر والرمل والهواء البارد يتوحدون في لحظات نادرة من الجمال الخالص.