لم يكن المغرب بمنأى عن الاضطرابات الجوية التي اجتاحت المنطقة في الأشهر الأخيرة، فبينما ضرب إعصار “دانا” جنوب إسبانيا في نونبر الماضي دون أن يخلف آثارًا كبيرة على المملكة، جاءت عاصفة “جانا” مطلع مارس الجاري لتؤكد أن التقلبات المناخية قد تحمل مستقبلاً مزيدًا من التحديات.
وبين هذين الحدثين الجويين، يُطرح السؤال حول مدى استعداد البلاد لمواجهة ظواهر مناخية قد تكون أكثر عنفًا في المستقبل، وما إذا كان موقعه الجغرافي يمنحه حماية طبيعية أم أن الأمر يعود إلى عوامل أخرى.
إعصار “دانا” الذي اجتاح مناطق في إسبانيا، خاصة الجنوب الشرقي، خلف خسائر مادية كبيرة نتيجة الفيضانات والانهيارات الأرضية.
وتسبب في شلل شبه تام للحركة في بعض المناطق، مع تسجيل تساقطات مطرية استثنائية تجاوزت في بعض المناطق 200 ملم في بضع ساعات.
ورغم القرب الجغرافي بين إسبانيا والمغرب، لم يكن للأخير سوى نصيب محدود من تأثيرات هذا الإعصار، وهو ما يعزوه خبراء الأرصاد الجوية إلى طبيعة تشكل العاصفة ومسارها، حيث تركزت التقلبات الجوية فوق شبه الجزيرة الإيبيرية ولم تمتد بقوتها الكاملة نحو الضفة الجنوبية للمتوسط.
كما أن المرتفع الجوي شبه الدائم فوق المغرب ساهم في تقليل تأثير الاضطرابات القادمة من الشمال، ما جعل التأثير يقتصر على تساقطات مطرية معتدلة في بعض المناطق الشمالية دون أن تصل إلى مستويات الخطر.
وبعد بضعة أشهر فقط، شهد المغرب واحدة من أعنف العواصف المطرية التي اجتاحت البلاد هذا الموسم، حيث جاءت عاصفة “جانا” محملة بأمطار غزيرة ورياح قوية وتساقطات ثلجية كثيفة في المناطق الجبلية.
ودفعت هذه الظروف الجوية المديرية العامة للأرصاد الجوية الوطنية إلى إصدار تحذيرات من المستوى الأحمر، خاصة في مناطق الشمال الشرقي والريف والأطلس المتوسط، حيث تجاوزت التساقطات المطرية في بعض المناطق 320 ملم خلال فترة قصيرة، متسببة في فيضانات محلية أعاقت حركة السير وتسببت في أضرار مادية بعدة مدن، أبرزها بركان والناظور وزايو.
ورغم ذلك، لم تصل الأوضاع إلى مستوى الكوارث الكبرى، حيث لم تُسجل خسائر بشرية كبيرة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى التدابير الاستباقية التي اتخذتها السلطات، بما في ذلك تعليق الدراسة في بعض المناطق كإجراء احترازي، ونشر فرق التدخل السريع للتعامل مع آثار العاصفة.
ويواجه المغرب، رغم كونه أقل عرضة نسبيًا للأعاصير والعواصف المدارية مقارنة بدول أخرى، تحديات مناخية متزايدة في ظل التحولات المناخية العالمية. التقارير العلمية تشير إلى أن وتيرة هذه الظواهر قد تصبح أكثر انتظامًا في المستقبل، مما يستوجب تعزيز قدرات التكيف والاستجابة.
وقد استثمرت المملكة في السنوات الأخيرة في مشاريع البنية التحتية المرنة وأنظمة الإنذار المبكر، إلا أن بعض المناطق لا تزال تعاني من ضعف في شبكات تصريف المياه والبنية التحتية القادرة على امتصاص صدمات الفيضانات، مما يجعلها أكثر عرضة للخطر عند حدوث عواصف مماثلة.
وتضع منظمة “جيرمان ووتش”، المتخصصة في تتبع تأثيرات التغيرات المناخية، المغرب ضمن الدول التي لم تتأثر بعد بشكل كبير بالكوارث المناخية مقارنة ببلدان أخرى في شمال إفريقيا، غير أن ذلك لا يعني أن المملكة محصنة ضد هذه المخاطر.
زيادة معدلات الفيضانات الموسمية، الجفاف الممتد في بعض الفترات، وارتفاع منسوب البحر هي من بين التحديات التي قد تواجهها البلاد في العقود المقبلة، مما يفرض ضرورة تعزيز التخطيط المناخي واعتماد استراتيجيات أكثر استباقية لحماية المناطق الحضرية والريفية على حد سواء.
وإذا كانت المملكة قد نجحت في احتواء تأثيرات “دانا” والتعامل مع تداعيات “جانا” بكفاءة نسبية، فإن المستقبل قد يحمل سيناريوهات أكثر تعقيدًا، حيث لم تعد الظواهر الجوية العنيفة مقتصرة على مناطق بعينها، بل باتت تمتد إلى نطاقات أوسع بوتيرة متزايدة.
لذا، فإن المقاربة الوقائية لم تعد خيارًا بقدر ما أصبحت ضرورة ملحة لمواكبة عالم يشهد اضطرابات مناخية غير مسبوقة.