رشيد العمري من الدار البيضاء: طفت على السطح في الآونة الأخيرة موجة عارمة من المجموعات التي فضلت الارتماء في أحضان مواقع التواصل الاجتماعي للكشف عن القضايا والمشاكل التي يتخبط فيها أعضاؤها، أو التي يعاني منها أشخاص في محيطهم الاجتماعي رغبة في إيجاد حلول لدى مرتادي هذه المواقع.
وقد أفرزت هذه الظاهرة التي تتشابك خيوط أبعادها وتتباين مراميها نوعا من التفاعل بين مؤيد ومعارض، خاصة في ما يتعلق بالقضايا ذات البعد الصحي والأسري التي يعتبرها البعض ضربا من المجازفة بالنظر إلى نتائجها التي قد تربك كافة الحسابات وتتسبب في مشاكل جديدة لا حسر لها.
فمن مرتادي هذه الشبكات التواصلية من لا يجد حرجا في الحديث عن أدق الأشياء في حياته الشخصية دون أن يأبه إلى كون من يكشف أسراره أمامهم غرباء، ومنهم من يتلذذ بالاستمتاع لمآسي الآخرين من خلال تدخلاته وآرائه المجانبة للصواب في كثير من الأحيان.
وفي هذا الصدد، أسر الشاب (ع. عثمان) في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء أن الإقبال على التواصل مع الغريب سواء بشكل مباشر أو على شبكة الأنترنيت هو فرصة سانحة لتجنب حالة الانطواء والسماح بتقاسم التجارب والخبرات حول أنجع السبل لحل مشاكل المعيش اليومي، لكن ذلك يقتضي بالضرورة -في نظره- إجراء تحليل دقيق لردود الفعل وبشكل إيجابي تفاديا للنتائج العكسية التي قد لا تحمد عقباها.
وأضاف هذا الطالب بالمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بالدار البيضاء أن الباحث عن حلول لوضعيته الاجتماعية أو الصحية عبر الفيسبوك يفضل فيه ألا ينصاع على الفور وراء أي جواب يلتقطه، بل عليه أن يكون مسلحا بأبجديات الحوار وأن يركن أساسا لآراء وأفكار ذوي الاختصاص.
ويشاطره الرأي في ذلك الطالب (ع. عمر) بالمدرسة العليا لصناعات النسيج والألبسة بالدار البيضاء الذي يرى أن التفاعل مع قضايا الأشخاص عبر شبكات التواصل الاجتماعي فكرة صائبة، حيث يمكن من خلالها تقاسم التجارب والوقوف على مختلف النجاحات والإخفاقات التي عاشها مختلف المتدخلين حتى تكون عبرة للجميع.
ومن خلال تتبعه للآراء المعروضة من قبل المرتادين على مثل هذه المجموعات، يرى أن هناك تدخلات صائبة يمكن الأخذ بها، في الوقت الذي يتخذ البعض من هذه القبلة ملاذا للترفيه والعبث دون أن يأبه لمعاناة المتسائلين.
أما بشرى المقيمة بديار المهجر، فتنظر إلى مسألة حديث الأشخاص عن أحوالهم الشخصية عبر الفيسبوك أو غيره من شبكات التواصل هو بمثابة مجازفة قد تعرض صاحبها للتنمر وتدخله في حالة اكتئاب إذا ما تطور الأمر إلى ماهو أبعد من ذلك. ولذلك فهي ترى أن الأفضل أن تشكل هذه المجموعات فضاء لمعالجة مختلف المواضيع والقضايا التي يمكنها أن تكون في المتناول حتى تعود بالنفع الوفير على الجميع.
وتقول إن كل متدخل عليه ألا يتعدى في تدخلاته مجال تخصصاته التي يدرك مليا دواليبها حتى ينتفع الناس بعلمه ومداركه الفكرية والعملية من أجل تعميم الممارسات الفضلى في مختلف مناحي الحياة عوض نشر التفاهات التي لا طائل من ورائها.
ومن بين أخطر المواضيع التي لا يفترض الاستهانة بمعالجتها عبر شبكات التواصل الاجتماعي هناك قضايا الصحة، فأدوات العلاج قد تختلف من جسد لآخر ومن وضع لآخر حتى وإن كان المصاب يعاني نفس الأعراض المتداولة، إضافة إلى أن هناك من يجد في أمراض الناس ومعاناتهم السبيل للتشجيع على دخول عالم الشعوذة والسحر، ناهيك عمن ينصح بأدوية قد لا تستجيب للحالة الصحية المعروضة.
وفي هذا الصدد قالت الدكتورة نادية مشتاق مديرة مركز الطب النفسي والاجتماعي بمقاطعة مولاي رشيد بالدار البيضاء، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن إقبال البعض على عرض مشاكلهم الشخصية عبر الفيسبوك يعد حالة مرضية تستدعي اللجوء لعيادة الطبيب النفساني حتى لا تتفاقم وضعيتهم إلى ماهو أخطر.
وأوضحت أن كل من يجرؤ على هذا الفعل كمن يقدم على كشف ع رضه على الملأ، مشيرة إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي لم تحدث لهذا الغرض، بل غايتها كما يدل على ذلك اسمها خلق جسر للتواصل بين الناس في وقت أضحى فيه التلاقي المباشر، بالنظر لضغوطات الحياة المتزايدة، أمرا صعبا.
من جانبها، كشفت الدكتورة أمال شباش، الأخصائية في المشاكل الزوجية والأمراض الجنسية أن ما نراه من بوح في مواقع شبكات التواصل الاجتماعي، خاصة في ما يتعلق بالعلاقات الحميمية والمشاكل الزوجية شيء غير مسموح به لأن العلاج والحل يبقى رهينا بما يقدمه ذوو الاختصاص.
وانطلاقا من النماذج التي ترددت عليها طيلة مشوارها المهني الذي تجاوز عقدين من الخبرة والتجربة الميدانية خلصت الدكتورة شباش إلى أن معظم المشاكل بين الأزواج نابعة من الذين يقدمون وصفات العلاج وحلول لا تنبني على أي سند علمي وطبي.
وبناء على ذلك دعت إلى ضرورة القطع مع هذه التصرفات والسلوكات المشينة بالحفاظ على سرية الحياة الزوجية والشخصية والصحية لتأمين سلامة الحياة الجسدية والنفسية وبالتالي تجنب الأخطار المحدقة بمختلف مكونات المجتمع.