مع دنو شهر يوليوز، تتجه انظار آلاف الاسر المغربية نحو الشمال، حيث تشكل الشواطئ الممتدة من طنجة الى الحسيمة الوجهة المفضلة للمصطافين، في مشهد موسمي يختلط فيه الحنين الى البحر بواقع مزدحم ومرهق، لا يخلو من مفارقات صارخة بين كثافة الطلب وضيق العرض.
وعلى امتداد الشريط الساحلي لمدن مثل مرتيل والمضيق وواد لاو واصيلة، بدأ الاكتظاظ مبكرا هذا العام. المركبات تملأ الطرق، الساحات تعج بالمارة، والمقاهي لا تجد متسعا لرواد جدد.
ومع هذه الحركة المكثفة، تعود ظاهرة الكراء العشوائي لتفرض منطقها، في ظل غياب عرض سياحي مهيكل قادر على استيعاب التدفق الموسمي.
في شوارع مرتيل، تظهر اعلانات مكتوبة بخط اليد على الجدران، تعرض شققا وغرفا للايجار الليلي. في المقابل، تنشط مجموعات فيسبوكية مغلقة، تروّج لعروض سكنية لا تخضع لاي مراقبة.
ويقول محمد، شاب من ابناء المدينة، ان مرتيل تكاد تنفجر من كثرة الزوار، مشيرا الى ان عددا كبيرا من الاسر تنام في العراء او تفرش الحدائق العامة، بعدما تعذر عليها ايجاد مكان للاقامة.
ويتحدث سكان محليون عن حالات كراء كراجات لا تزال في طور البناء، غير مبلطة ولا مجهزة، تُعرض كملاجئ ليلية مقابل مقابل مبلغ مالي. حيث باتت هذه الفضاءات، التي تفتقر الى ادنى شروط الكرامة، في نظر البعض شرا لا بد منه، امام اسعار تناهز احيانا كلفة المبيت في فنادق فاخرة.
وتشهد الطريق الرابطة بين طنجة وتطوان ازدحاما خانقا خلال نهاية كل اسبوع. فالرحلة التي لا تتجاوز عادة ساعة ونصف، صارت تتطلب اكثر من ساعتين، بسبب التدفق الهائل للسيارات. هذا الاختناق المروري يعكس، حسب مراقبين، محدودية البنية التحتية في مواكبة الضغط الموسمي المتزايد.
وفي هذا السياق، يقول فاعل سياحي من المضيق ان الطلب الداخلي على الايواء يفوق بكثير الطاقة الاستيعابية للعرض المنظم، مضيفا ان المواطن البسيط يجد نفسه محاصرا بين عشوائية الوسطاء وغلاء الشقق المصنفة. مضيفا ان الموسم الصيفي صار مناسبة للاغتناء السريع بالنسبة للبعض، في غياب بدائل قانونية منصفة.
ورغم محاولات سابقة من بعض الجماعات الترابية، مثل مرتيل والمضيق، لفرض اجراءات تنظيمية تلزم اصحاب الشقق بالتصريح لدى السلطات، الا ان هذه التدابير ظلت محدودة الفعالية، بفعل ضعف المراقبة وانتشار الطابع الموسمي وغير المهيكل لهذا النشاط.
وفي المقابل، كشفت وزارة السياحة عن دخول خمسة قرارات تنظيمية جديدة حيز التنفيذ، تستهدف توحيد معايير تصنيف مؤسسات الايواء، بما في ذلك الفنادق والرياضات ودور الضيافة، عبر نظام بالنجوم، مع اعتماد زيارات تفقدية سرية لتقييم الجودة.
ووصفت الوزيرة فاطمة الزهراء عمور هذه القرارات بكونها تشكل نقلة نوعية في مسار اصلاح القطاع، معتبرة ان المغرب يسير نحو مطابقة معاييره مع المعايير العالمية. واكدت ان نظام الزيارات السرية سيمكن من رصد واقع الخدمات بطريقة موضوعية، تحاكي تجربة الزبون العادي.
وتستعد الوزارة ايضا لتقنين انماط الايواء البديل، مثل الإقامة لدى الساكنة والمخيمات المتنقلة، المعروفة بالبيفواك، تماشيا مع التحولات الجديدة في الطلب السياحي وانتشار المنصات الرقمية. كما تم ادراج نمط جديد يحمل اسم “الاقامات العقارية الملحقة”، يجمع بين السكن الخاص والخدمات الفندقية في اطار تعاقدي مضبوط.
لكن مهنيين في القطاع يبدون حذرهم ازاء الوعود الجديدة، مؤكدين ان نجاح الاصلاحات يتوقف على تقليص الهوة بين العرض القائم والطلب المتزايد، خاصة خلال ذروة الصيف.
ويقول وكيل للايواء بتطوان ان النية في التنظيم موجودة، لكن الواقع يفرض تحديات اكبر من مجرد قرارات ادارية.
ومع استمرار تدفق الزوار نحو الشمال، تبقى مدن الساحل على موعد جديد مع صيف حار ومزدحم، تحيط به تطلعات وآمال، ولكن ايضا اختلالات قديمة لا تزال تبحث عن اصلاح يتجاوز البلاغات نحو اثر ملموس على الارض.