بينما تتسارع الأوراش في طنجة لرسم خريطة جديدة للمدينة على إيقاع المساطر والمشاريع الكبرى، لم يجد بعض المنتخبين سوى أن “يستفيقوا فجأة”… ليس دفاعا عن الصرف الصحي، أو تنديدا بهشاشة الأرصفة، بل لأن شركة “طنجة موبيليتي” تجرأت – ويا لهول الفعل – على عدم حضور دورة مجلس المقاطعة.
وهكذا تحولت الجلسة إلى محاكمة رمزية لكرسي شاغر، بينما ظلت كراسي كثيرة، طيلة السنوات الماضية، شاغرة تمثيليا وأخلاقيا.
بل إن منتخبين انتفضوا ضد “الإهانة” التي مثلها غياب ممثلي الشركة، ورفعوا سقف الغضب كما لو كانوا في بث مباشر على تيك توك، لا في قاعة رسمية لمؤسسة تمثيلية.
والمفارقة أن معظمهم غاب عن أبسط مهامه طيلة ولايات كاملة، واكتفى بإطلالات موسمية وحضور فلكلوري لتسجيل “أنا كنت هنا”.
زد على ذلك أن بعض هؤلاء، كما تقول الحكاية، يخصصون الجهد والوقت لنشر الصور والتدوينات والتعليقات، أكثر مما يخصصونه لفهم دفتر التحملات أو تتبع تقدم الأشغال.
وعند سؤالهم عن مشاريع الإنارة، أو المساحات الخضراء، أو مرافق الشباب، يجيبونك بكلمات مقتبسة من مراجع خطب الجمعة.
ولمزيد من الإثارة، ظهر من بين الحاضرين من هدد بمقاطعة الاجتماعات المقبلة، في حركة احتجاجية مسرحية، جعلت البعض يتساءل: هل هذا مجلس منتخب، أم فرقة مسرحية لم تتمكن بعد من حفظ نصها؟
وفي المقابل، يظهر الوالي يونس التازي، رجل الظل المنضبط، يراقب الأوراش ويشرف على التنزيل ببراغماتية مهنية، تاركا للمجالس أن تعود إلى رشدها… أو أن تغرق أكثر في ضجيج المناسبات.
ومع ذلك، وحتى لا نظلم الجميع، يسجل للرئيس منير ليموري حرصه على تتبع المشاريع الكبرى، رغم هشاشة تحالفه وقصر نفس بعض حلفائه. فهو يحاول قدر الإمكان التوفيق بين صوت الورش وصراخ القاعة، بين خرائط التدبير ونشاز الميكروفونات.
لكن – وهنا بيت القصيد – فإن الفوضى التي شهدتها دورة الاثنين، لم تكن استثناء، بل استمرارا لسلسلة من الهفوات الجماعية التي حولت الفعل السياسي المحلي إلى عرض جانبي، خارج عن النص، فاقد للتشويق، لكن مليء بالتنويه الذاتي والتصفيق التلقائي.
فالسؤال الذي يطرح نفسه: هل حقا كان هؤلاء ينتظرون طنجة موبيليتي لتفسير غيابها؟
أم أن “الفراغ” صار طوق نجاة لتمرير مظلومية موسمية، قبل موسم الترحال السياسي المنتظر؟
والجواب؟ عند أحدهم، وهو يرفع إصبعه طالبا نقطة نظام، ليس لطرح اقتراح، بل لإبلاغنا – للمرة الألف – أنه لا يشعر بالاحترام داخل هذه المؤسسة…
والحقيقة؟ نعم، هو محق… لكنه نسي أن الاحترام لا يطلب، بل يكتسب.