بعد أن سالت السماء بسخاء طوال شهر مارس، وتواصلت زخاتها مع بداية أبريل، انتفضت الأرض في ضواحي طنجة بلون أخضر طازج، كأنها خرجت لتوّها من سبات طويل.
أزهرت التلال، وتحررت الأعشاب من غبار الشتاء، وتفتّحت أعين المدينة من جديد على بقايا فردوسها الأخضر. وهكذا، استعادت العائلات علاقتها الهادئة بالطبيعة، ولو على إيقاع طقس ما زال يراوح بين الصفاء والمطر.
في الرميلات، عند السفوح الغربية لجبل الكبير، تنبعث الحياة من كل تفصيلة. هنا، داخل الغابة الحضرية المعروفة أيضا بمنتزه برديكاريس، تمتد مساحة تقارب 67 هكتاراً من الغطاء النباتي الكثيف، حيث تتعانق أشجار البلوط الفليني والأوكالبتوس مع نسيم مضيق جبل طارق.
بين المسالك الطبيعية المهيأة وأجنحة الظل المترامية، تتناثر العائلات في مشاهد هادئة: أطفال يطاردون الفراشات، وشبان يركضون في المسارات الترابية، وآباء يُشعلون الفحم لتحضير وجبات منزلية.
“الريحة ديال التراب من بعد الشتا كتنعشك، وها الغابة بحال الحضن”، تقول فاطمة، وهي تفرش الحصيرة قرب تل مشرف على البحر، مضيفة: “ماشي ديما كنلقاو الوقت، ولكن ملي كتشوف هاد الجمال، كلشي كيستاهل”.
في الجهة المقابلة من المدينة، تحتضن الأحياء الشرقية الغابة الحضرية الرهراه، على مساحة تقدر بحوالي 200 هكتار. تمتاز بتنوع نباتي يشمل الصنوبر، الكاليبتوس، والبلوط، وتتوفر على مسالك مشي غير مهيأة رسمياً لكنها معروفة جيداً بين ساكنة الإدريسية، العوامة، وبوحساين.
هنا، يبدو الارتباط بالغابة يوميا أكثر منه موسميا، إذ يقصدها السكان للرياضة أو الترويح، خاصة في الصباحات التي تسبق المدارس أو في فترات الصفاء الخاطفة.
أما في تراب جماعة اكزناية، فتتربع الغابة الدبلوماسية – أو كما يسميها البعض “غابة الميريكان” – كأكبر مجال غابوي متاخم للمدار الحضري. تمتد على أزيد من 256 هكتاراً، وتعد من بين الفضاءات التي شهدت عملية تهيئة واسعة خلال السنوات الماضية بتكلفة بلغت 42 مليون درهم.
وشملت التهيئة مسالك جري بطول 9 كيلومترات، فضاءات للأطفال، مرافق صحية، وطاولات للنزهة، لكنها تظل تفتقر لنظام إشرافي واضح، ما يجعل فترات الاكتظاظ غير مؤطرة.
“التهيئة كانت مهمة، ولكن خاص تنظيم وحراسة، باش تبقى الغابة في أمان”، يقول عبد السلام، أستاذ يقطن بحي مسنانة، اعتاد التردد على الغابة صباح كل أحد.
وفي أقصى الجنوب الشرقي من المدينة، تفتح الطبيعة ذراعيها على مشهد مختلف: سد 9 أبريل 1947، أو ما يعرف محليا بـ”سد الحاشف”، المشيّد لتزويد مدينة طنجة بالماء الشروب، والمطل من أعالي منطقة عين جديوي بجماعة المنزلة. المنحدرات المحيطة بالسد تكتسي حاليا بعشب كثيف، تخلله أشجار صنوبر بري وأعشاب موسمية، ما جعل المنطقة وجهة متنامية لهواة المشي والتأمل، رغم افتقارها لأي مسلك رسمي أو توجيه بيئي.
وبالقرب من وادي تاهدارت، تظل المحمية الطبيعية تاهدارت من بين المناطق الرطبة القليلة المتبقية على طول الساحل الأطلسي بين طنجة وأصيلة.
وتُصنّف ضمن المواقع ذات الأهمية البيولوجية والإيكولوجية، حيث تستقطب أنواعاً من الطيور المهاجرة، مثل اللقالق وطيور البلشون والبجع، خاصة خلال فصلي الربيع والخريف. ورغم قيمتها البيئية، تعاني المحمية من التهميش الميداني والتلويث العرضي، خصوصاً على مستوى ضفافها المفتوحة.
ورغم أن مدينة طنجة تعرف ضغطا عمرانيا متزايدا، إلا أن موقعها الجغرافي بين حوضي اللوكوس وطنجة المتوسط، وارتباطها بشبكة من السدود (9 أبريل، طنجة المتوسط، دار خروفة…)، يمنحها توازناً مائيا نادرا بالمقارنة مع باقي المناطق الأخرى. وهو ما ينعكس في وفرة كسائها الغابوي واستمرار الغطاء النباتي الموسمي حتى في السنوات الأكثر جفافاً.
ومع استمرار توقعات الأرصاد الجوية بتساقطات متفرقة، يبقى هذا الربيع الطنجي مرآة مؤقتة لما يمكن أن تكون عليه طنجة… مدينة لا تخنق خضرتها، ولا تنسى أن الجمال يبدأ من الجذر.