في مشهد عمراني بات يُثير الانزعاج أكثر من مجرد الاستغراب، تحوّلت بعض التجزئات السكنية المصنفة في جماعة البحراويين ضواحي طنجة، إلى ورش مفتوح لفيلات تُشيّد على وقع اختلالات عمرانية صارخة، دونما اكتراث للتصاميم المصادق عليها أو لدفاتر التحملات التي تأطّر البناء في هذه المناطق.
وباتت تجزئة “النواصي ويش”، التي وُصفت عند انطلاقها بنموذج للسكن الراقي المندمج، اليوم محط تساؤل، بعدما رُصدت فيها بنايات خرجت عن النسق المحدد، سواء من حيث عدد الطوابق أو من حيث الهيكلة المعمارية، ما أدى إلى تصدّع في الانسجام العمراني ومخاوف متزايدة من فقدان هوية الحي.
واستشعر سكان مجاورون لهذه البنايات، أن الأمر لم يعد يندرج ضمن مخالفات فردية معزولة، بل أصبح مؤشرا على وجود منظومة “تراخي” تتجاوز مجرد قصور في التتبع، لتلامس، وفق تعبير بعضهم، شُبُهات تواطؤ غير معلن من طرف منتخبين محليين، يُفترض أنهم المؤتمنون على حماية المجال وضمان احترام ضوابط التعمير.
وتداولت مصادر محلية ما اعتبرته “معطيات مقلقة” بخصوص تكرار نفس النوع من الخروقات في أكثر من موقع داخل الجماعة، مع تسجيل محاولات توسيع البنايات بشكل يُحدث تغييرات جذرية في طبيعة البنايات الأصلية.
وفي إحدى الحالات، أفاد مصدر من عين المكان بأن أحد المالكين شرع في بناء سرداب أرضي غير مرخص، ثم عمد إلى طمره والإضافة فوقه طابقين علويين، في ضرب مباشر لتصميم التجزئة.
ووفق شهادات متقاطعة استقتها الجريدة، فإن أوراش بناء تم توقيفها شكليا بموجب قرارات إدارية لم تلبث أن استأنفت أشغالها بوتيرة أسرع، ما يُعزز الانطباع بأن بعض المُخالفين يشتغلون في مأمن من أي إجراءات زجرية فعلية، مستندين إلى “ضمانات ضمنية” توفّرها لهم علاقات ممتدة داخل دوائر القرار المحلي.
وتمتد تساؤلات الساكنة أيضا إلى أداء الوكالة الحضرية لطنجة، التي يرى عدد من المتتبعين أنها لم تُفعّل بالشكل المطلوب أدوارها في التتبع التقني والتنسيق مع السلطات الترابية، خصوصا في ظل ما يُوصف بـ”تكاثر الوقائع العمرانية المشوبة بالمخالفات” في محيط ترابي محدود المساحة.
وتساءل بعض المهنيين إن كانت مصالح الوكالة قادرة على رصد كل هذه الأوراش المخالفة دون أن تُبادر بأي إجراءات إحاطة أو إشعار رسمي للجهات المعنية.
في مقابل ذلك، يلفّ الصمت مواقف بعض المنتخبين، ممن يُفترض أنهم يمثلون الساكنة داخل المجلس الجماعي، حيث لم تُسجَّل أي مبادرة رقابية أو استفسار رسمي داخل الدورات الأخيرة بشأن تفشي هذه الظاهرة.
وتذهب بعض الآراء إلى حد الإشارة – بتحفظ – إلى احتمال وجود علاقة مباشرة بين بعض المخالفين وأسماء معروفة داخل المجلس، ما يُضفي بعدا سياسيا على هذه الانزلاقات التقنية.
ويخشى سكان المنطقة من أن تُكرّس هذه الاختلالات منطق التمييز بين المواطنين، لا سيما حين يتعلق الأمر بنافذين يُقدِمون على البناء دون احترام المقتضيات القانونية، في الوقت الذي يُرغَم فيه المواطنون العاديون على التقيد الحرفي بكل جزئية إدارية عند تقديم ملفاتهم.
ويستحضر المواطنون في هذا السياق ما سبق أن عرفته منطقة “زيتون” المجاورة من عمليات هدم فيلات شُيّدت فوق أراضٍ خاضعة لنظام التحفيظ الجماعي، تم الاستيلاء عليها استنادا إلى وثائق اعتُبرت لاحقا موضوع تزوير، دون أن تُفصح الجهات المعنية بشكل شفاف عن المسؤولين الإداريين أو المنتخبين الذين مرّروا تلك التراخيص في البداية.
ويُحذّر مهندسون مختصون في التعمير من تداعيات مثل هذه التجاوزات على مستقبل التهيئة المجالية بالمنطقة، خاصة أن نماذج من هذا النوع تفتح الباب أمام انفلاتات أخرى قد تستنسخ نفس الممارسات، مما يُربك مسار التخطيط الحضري المندمج، ويُقوّض جهود الدولة في تحقيق عدالة عمرانية وتوزيع منصف للتجهيزات.
وبين صمت بعض المنتخبين، وتباين نجاعة أجهزة التتبع والتدخل، تبقى الأنظار موجهة إلى السلطات الولائية بطنجة، في انتظار أن تُبادر بإجراء افتحاص شامل لهذه الوضعية، حفاظا على ما تبقى من هيبة وثائق التعمير، وصونا لحق المواطنين في بيئة عمرانية منسجمة ومحمية من العبث.