البشير الحداد الكبير*
نخلد اليوم الذكرى 20 لميلاد مؤسسة الوسيط التي حلت محل ديوان المظالم، وتعتبر هذه المؤسسة الدستورية الحقوقية من نتاج عبقرية صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده،فمؤسسة الوسيط أو ما يطلح عليه عالميا بـ”الأمبودسمان” جاءت تفعيلا لمبادئ باريس، وجاءت من أجل تكريس الحكامة الجيدة في المرفق العام وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وتعزيز الثقة بين الإدارة والمرتفقين،فهذه المؤسسة المنصوص عليها في الفصل 162 من دستور 2011 لم يقتصر دورها فقط في تلقي شكايات المواطنات والمواطنين وإصدار توصيات بل لها دور آخر هو مساعدة القضاء الإداري، كيف ذلك؟
فعوض أن يلجأ المواطن للقضاء، وبالتالي تعدد المساطر وكثرة الملفات، فهو يلجأ لهذه المؤسسة التي تسهر على وضع الحلول بين الإدارة والمرتفقين في ظرف وجيز،وبالتالي فهي مؤسسة مساعدة للقضاء، دون أن ننسى أن وسيط المملكة هو عضو في المجلس الأعلى للسلطة القضائية بموجب الفصل 115 من الدستور الجديد، وعلى ذكر التوصيات، فإن لها قوة إلزامية لجميع المرافق العمومية، وبقراءتنا لتقارير مؤسسة الوسيط التي تصدر كل سنة تماشيا مع الفصل 160 من الدستور الجديد، نجد التفاعل القوي والإيجابي لجميع مؤسسات الدولة مع توصياتها.
يظهر لنا الحرص الملكي السامي بهذه المؤسسة من خلال آلية التعيين فجلالة الملك هو من يعين وسيط المملكة، وهذا شيء بديهي، لاسيما أن جلالته هو رئيس الدولة والساهر على حماية الحقوق والحريات بموجب الفصل 42 من الدستور.
إن مؤسسة الوسيط على غرار باقي مؤسسات الأمبودسمان في العالم (مثلا مؤسسة المدافع عن الشعب بإسبانيا ومؤسسة حامي الحقوق بفرنسا) تتمتع بصلاحيات مهمة(بموجب الدستور والقانون 14.16) تجعل منها مؤسسة ذات فعالية ونجاعة، وقد ساهمت بشكل قوي في تحسين جودة الخدمات العمومية، دون أن ننسى أنها تتعامل مع المواطنات والمواطنين بإحترافية تامة، إذ قامت بإنشاء منصات إلكترونية تسهل الولوج إليها في إطار تبسيط المساطر الإدارية تماشيا مع روح الدستور والقانونين 54.19 و 55.19 وفي إطار كذلك تقريب الخدمات للمرتفقين، كما أن هذه المؤسسة في إطار الإنفتاح على المحيط الخارجي لها شراكات مع نظيراتها في جميع دول العالم، وفي إطار تفعيل مبادئ بلغراد، لها شراكات مع البرلمان بإعتباره المسؤول بموجب الفصل 70 من الدستور الجديد على مراقبة العمل الحكومي وتقييم السياسات العمومية .
إن ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان ومأسسة الحكامة الجيدة في المرفق العام ليست مجرد شعارات رفعتها المملكة المغربية الشريفة لتلميع صورتها عالميا، وإنما هي قناعة من أعلى سلطة في البلاد جلالة الملك أسماه الله وأعز أمره ويتم تطبيقها في جميع مناحي الحياة العامة، وتعتبر من مقومات التدبير العمومي الجديد الذي اعتمده المغرب في الألفية الثالثة.
إن مؤسسة الوسيط تعتبر ترجمة فعلية للمفهوم الجديد للسلطة الذي نادى به جلالة الملك حفظه الله ورعاه منذ إعتلاءه عرش أسلافه المنعمين وسنختم بمقتطف من الرسالة الملكية بتاريخ 27 فبراير 2004 الموجهة إلى الاجتماع الأول للجنة المتابعة المنبثقة عن مؤتمر الهيئات الحكومية المكلفة بحقوق الانسان في الفضاء الفرنكفوني،حيث قال جلالته حفظه الله :”ولم نفتأ منذ اعتلائنا العرش نواصل العمل على ترسيخ دولة القانون والنهوض بحقوق الانسان وتوسيع فضاء الحريات وحل كل القضايا العالقة في هذا الشان وتدعيم وتحديث التشريعات والمؤسسات الكفيلة بإضفاء المزيد من صون كرامة المواطن ضمن منظور شمولي لحقوق الانسان تتكامل فيه أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في إطار ديمقراطية المشاركة والقرب معبئين لهذه الغاية كل القوى الحية للأمة والسلطات العمومية مشجعين القوة الاقتراحية البناءة والعمل الميداني الهادف لمنظمات المجتمع المدني منطلقنا في ذلك اعتبار الديمقراطية والتنمية متلازمتين مؤكدين ان مرجعيتنا الإسلامية القائمة على تكريم الانسان ومبادىء الحرية والمساواة والانصاف والتضامن تنسجم في جوهرها مع المرجعية الكونية لحقوق الانسان.”.
*باحث في سلك الدكتوراة بكلية الحقوق بطنجة