بالكاد مرّت أشهر قليلة على الإعلان الرسمي عن استضافة المغرب لكأس العالم 2030، حتى بدأ اسم هذه التظاهرة يُستعمل على نطاق واسع في سوق العقار بمدينة طنجة كوسيلة تسويقية ضاغطة، تبرّر ارتفاعا متسارعا في الأسعار، وتمهّد لموجة مضاربة تتغذى على الترقب أكثر مما تستند إلى معطيات ميدانية حقيقية.
في أحياء بعيدة كل البعد عن أي مشروع رياضي أو منشأة مؤقتة، يُروج لعقارات متوسطة أو قيد الإنجاز كما لو أنها استثمار مضمون في قلب منطقة مونديالية.
وسطاء يتحدثون بلغة الحتمية: “المدينة غادي تولي بحال دبي، اللي شرى دابا ربح”، ومنعشون لا يترددون في تقديم الحدث الرياضي كعنصر مركزي في كل حملة ترويجية، وكأنه واقع معاش وليس موعدا ما زال يفصلنا عنه أكثر من خمس سنوات.
وحسب تقديرات غير رسمية، شهدت أسعار العقار في بعض مناطق طنجة ارتفاعاً يتراوح ما بين 15 و30 في المئة منذ أواخر سنة 2022، خاصة في الأحياء التي تعرف تراكما للمشاريع السكنية، مثل الزياتن، المجاهدين، والسواني. وفي بعض الإقامات، تجاوز ثمن المتر المربع 18 ألف درهم، رغم أن أشغال الربط الطرقي والمرافق العمومية لم تواكب هذا التصاعد.
وفي الخلفية، هناك عامل آخر يعزز من حمى الشراء: الارتفاع الملحوظ في عدد الرحلات الجوية نحو مطار ابن بطوطة، وتزايد الطلب من طرف مستثمرين أجانب، خاصة من فرنسا ودول الخليج.
وقد أعاد هذا التدفق تشكيل خريطة العرض والطلب بشكل يجعل الطبقة المتوسطة في موقع هش، ويغذي الانطباع بأن “الوقت المناسب للشراء” يوشك أن ينقضي.
لكن هذا المناخ لا يخلو من مبالغة. فالمشاريع المرتبطة مباشرة بكأس العالم لا تزال في طور الدراسة أو التنسيق المركزي، ولم تنطلق بعد أي أورش كبرى في المدينة تحمل طابعاً موندياليا صريحا.
ورغم ذلك، تستعمل بعض المقاولات أسماء الملاعب والطرقات المستقبلية في منشوراتها، دون أي التزام زمني أو تعاقدي يربطها فعليا بالتحضيرات الرسمية للبطولة.
ويرى المراقبين في هذا الاستعمال المفرط للمونديال واجهة لمضاربة مُقنعة، تؤسس لسوق غير متوازن يستفيد منه المضاربون أكثر مما يخدم حاجيات المدينة أو الساكنة.
ويُحذّر هؤلاء من استمرار استعمال “كأس العالم” كذريعة لتسويق مشاريع لم تكتمل، بأسعار تفوق القدرة الشرائية لغالبية السكان، ما قد يكرّس إقصاء اجتماعيا داخل الفضاء الحضري.
في غياب معطيات رسمية دقيقة ومفصلة من الجهات الحكومية حول نسب ارتفاع الأسعار وتوزيع المشاريع المعتمدة، تبقى التقديرات مفتوحة على أكثر من احتمال، فيما تواصل بعض الأصوات المطالبة بإحداث آلية لمراقبة الخطاب التسويقي في المجال العقاري، وضبط العلاقة بين القيمة العقارية الحقيقية وثمن البيع المعلن.
ورغم أن كأس العالم 2030 يُنتظر أن يمنح دفعة قوية لطنجة على المستوى الدولي، إلا أن استغلاله المبكر بهذا الشكل، في غياب تخطيط عمراني متكامل، قد يؤدي إلى نتائج عكسية، تضرب في الصميم الحق في السكن وتحوّل حدثا رياضيا عابرا إلى ذريعة دائمة لتبرير الغلاء.