يبدو أن السلطات منشغلة بالانتخابات الجماعية التي من المنتظر أن يعرفها المغرب نهاية سنة 2021، ففي خطوة مثيرة، وعلى بعد أقل من سنة ونصف على هذا الاستحقاق، سربت السلطات الولائية بمدينة طنجة مقاطع مهمة من تقرير أعدته أجهزتها، نشر مقاطع منه سعيد القدري الصحفي بموقع “le360″، على صفحته بالموقع الاجتماعي “فايسبوك”، من أبرز ما جاء فيه أنه لو جرت الانتخابات غدا، فإن حزب العدالة والتنمية سيحصل على المرتبة الأولى لكن ليس بنتائج مطلقة كما حدث مع آخر انتخابات 2015، وحاز فيها الحزب الاسلامي على الأغلبية المطلقة سواء في المجلس الجماعي أو على مستوى المقطعات الأربع.
والأكثر إثارة في التقرير أنه وضع حزب الاستقلال ثانيا رغم أنه غائب تماما عن المؤسسات المحلية المنتخبة، وذلك مناصفة مع حزب الأصالة والمعاصرة، في الوقت الذي وضع فيه كتبة التقرير حزب الاتحاد الدستوري في المرتبة الثالثة، فيما أعطيت لحزب التجمع الوطني للأحرار المرتبة الرابعة بنتائج متواضعة .
لا شك أن وراء تسريب مضامين مهمة من التقرير المشار إليه أهداف، يمكن استنتاج بعضها في ما يلي، بعد استنطاق ما وراء السطور وفق المعطيات المتوفرة.
أهم هدف في تقديري، هو أنه أعطى إشارة قوية لأحزاب (الأصالة والمعاصرة، والتجمع الوطني للأحرار، والاتحاد الدستوري)، وأمل في حصولها على نتائج متقدمة على تلك المخيبة التي تتوفر عليها في الوقت الراهن، بعدما أعطى لحزب العدالة والتنمية الفوز فقط بمقاطعتين من أصل أربعة، بعد أن كانت رموز هذه الأحزاب في المجالس المحلية، قد فقدت كل أمل مع وجود بعض الاستثناءات سنشير إليها لاحقا (محمد الحمامي نموذجا)، ظهر ذلك جليا من خلال الطريقة التي تعارض بها والتي هي أقرب إلى الاستعراض منها إلى الاحراج السياسي الحقيقي.
هدف آخر يتعلق بإعداد حزب العدالة والتنمية نفسيا على الأقل لتقبل بنتائج أقل بكثير من تلك التي حصل عليها خلال انتخابات 2015، والتي بوأته الصدارة بأغلبية مطلقة غير مسبوقة بمدينة طنجة، خاصة وأن تصريحات بعض رموزه محليا تشير إلى احتمال فوزه وتحقيقه لنتائج جد مهمة في محطة 2021.
من جهة أخرى، وجه التقرير انتقادات مبطنة لأحزاب، (الأصالة والمعاصرة والتجمع الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري)، لعدم استطاعتها مجاراة ومسايرة حزب العدالة والتنمية، حيث ظهر بعد مرور أزيد من أربع سنوات على تقلده التدبير المحلي أنها لم تستطع إحراجه سياسيا والتأثير عليه تنظيميا، في سياق ترويج البعض منها لخطاب مفاده أن حزب العدالة والتنمية انتهى وأن المسألة مسألة وقت، ليصفعها التقرير أن البيجيدي لا زال الأول، ولا زالت شعبيته معتبرة، وأن تحركاتها وأنشطتها ضعيفة لم تستطع التعبئة وتوسيع قاعدتها الشعبية، بل إن البعض منها لا زالت تضم في صفوفها بضعة أفراد لا تواجد لهم في الميدان، ولا بصمة لهم في محيطهم، وهو على ما يبدو أغضب السلطات .
وضع حزب الاستقلال في المرتبة الثانية نتيجة مثيرة، وهي إشارة لا تخلو من دلالة، تؤكد رضى السلطات على المهرجان والأنشطة التي نظمها حزب الاستقلال بطنجة والتي استقطبت الآلاف خاصة فئة الشباب، وهي رسالة موجهة أساسا لأحزاب (الأصالة والأحرار والدستوري)، مفادها أن هذه هي الطريقة التي يجب الاشتغال عليها، وليس طريقة الصالونات، هذا إذا علمنا أن وضع حزب الاستقلال في المرتبة الثانية فيه الكثير من المبالغة، أولا لأن الحزب لم يحقق أي نتائج تذكر بمدينة طنجة خلال الانتخابات الماضية، فهو ليس له تواجد بالمجالس المحلية، كما أن نتيجة تمثيليته لطنجة بمجلس النواب صفر، وذلك نتيجة الخلافات بين عدد من مكوناته، أبرزها قضية الشبيبة التي خرج جزء من مشاكلها للإعلام، لذلك فإعادة البناء ليس بالأمر السهل حتى تعطى لحزب علال المرتبة الثانية في مدينة كبيرة كطنجة، وهو ما جعل نزار البركة أمين عام الحزب ينتقد بشدة أداء الحزب محليا في لقاء احتضنه مقر طنجة رمضان الأخير وكنت حاضرا فيه، حيث خاطب الأعضاء، كيف لحزب علال الفاسي أن يكون ضعيفا بعروس الشمال؟ مضيفا أن الأمر غير مقبول، والمطلوب مضاعفة المجهود للحصول على نتائج أفضل خلال الاستحقاقات القادمة، وهي إشارة قوية منه إلى تجاوز الخلافات التي عمرت طويلا.
ملاحظة أخرى تتعلق بالأحياء التي ذكرها التقرير بأن حزب العدالة والتنمية يتواجد فيها بشكل قوي، وأكد التقرير على أحياء كبرى تتواجد بمقاطعة بني مكادة التي تعتبر أكبر مقاطعة في المغرب بساكنة تفوق 400.000 ألف نسمة، وهذه أحياء تتواجد فيها رموز الحزب التي تتوفر على جزء من المواقف المعتبرة والاستقلالية ولو أنها جزئية.
التقرير وبطريقة غير مباشرة، أشاد بالليونة التي أبداها حزب العدالة والتنمية والتنمية، حيث قال عنه أنه “تقوى كأخطبوط يعلم من أين تأكل الكتف بطرق مثيرة جعلته الأول بدون منازع الى غاية اليوم، واكب التحديات، واكب الهجمات الاعلامية، واكب الاقتطاعات، واكب التصريحات والانتفاضات داخل مجلس الجماعة ومجالس المقاطعات”، وهو ما يعني أن الضربات لم تنل حتى الآن من شعبية حزب العدالة والتنمية بطنجة.
في ذات السياق، تضمن التقرير مجموعة من الإشارات يمكن اعتبارها جد مهمة في توقع نتائج الانتخابات الجماعية القادمة، لعل أبرزها الإشارة الواضحة للعمل الذي يقوم به المستشار محمد الحمامي عن الأصالة والمعاصرة الذي يشكل استثناء وسط الحزب الذي يعرف تنازعات ومعارك جعلته يتراجع إلى الوراء في مجموعة من المحطات، التقرير يشير إلى أن عمل وتحركات الحمامي منحته شعبية مهمة في مجموعة من أحياء مقاطعة بني مكادة، حيث يظهر أن السلطات تعول كثيرا على اسم الحمامي لمزاحمة حزب العدالة والتنمية الذي يسير المقاطعة وحيدا بأغلبية مطلقة، وتحقيق نتائج طيبة وهو ما ظهر من خلال تبنيه لعدد من الملفات التي تعرفها بني مكادة حيث نقلها بطريقته إلى دورات مجلس المدينة، مما جعلها تتصدر واجهة الإعلام المحلي، في الوقت الذي لم يكن يسمع فيه أحد هؤلاء المتضررين، مما جعل محمد الحمامي يكتسب شعبية جديدة وهو أمر مطلوب في نظر التقرير لمواجهة شعبية حزب العدالة والتنمية.
المثير أن التقرير لم يشر بشكل مطلق للأحزاب المشكلة لفدرالية اليسار، رغم أن تحركاتها في السنوات الأخيرة كانت بادية للمتتبع، وحضور رموزها في عدد من المحطات النضالية التي عرفتها طنجة، وإن كانت هذه التحركات لم تستفد منها مكونات الفدرالية في توسيع قاعدتها التي لا زالت متواضعة.
ونحن نستعرض أهم ما جاء في هذا التقرير الذي سيعطي بالتأكيد دفعة معنوية كبيرة لأحزاب “الأحرار والدستوري والأصالة”، التي فقدت الكثير من بريقها بعد صعود حزب العدالة والتنمية إلى سدة التدبير المحلي بأغلبية مطلقة، لا بد من الإشارة إلى هذا التقرير سبقته العديد من الحواجز والعوائق والمضايقات التي تعرضت لها تجربة البيجيدي، بدءا بالحجوزات التي تعرضت لها مالية جماعة طنجة، والتي تجاوزت كل التوقعات حيث تعدت 50 مليار سنتيم في أقل من أربع سنوات، مرورا بعدم تجاوب السلطات مع العديد من مبادرات وقررارت المجلس الجماعي، وانتهاء بالحملة الإعلامية التي يتعرض لها “بجيدي طنجة”، وهي في كثير منها بعيدة عن المهنية.