طنجة 24 – السعيد قدري: إذا كانت تيمة “الثقافة إكسير الحياة ” هو النسق الذي سايرته واختارته دورة أخرى من دورات مهرجان ثويزا بمدينة البوغاز طنجة، فان الأمر لايعدو سوى رسالة بين ثناياها تحمل موجة أخرى من التحدي نحو فتح أبواب أفق الثقافة، لتشكل اللغة المشتركة بين شعوب العالم.
تجاوز مهرجان ثويزا الفوارق بين الحضارات والثقافات وآلية التفكير، فمن خلال الندوات والسهرات أمد المهرجان جسور التواصل والتقارب والتعارف بين الثقافات، كما ساعد من خلال الفنون والإبداعات الثقافية التي تزين فضاءاته بمدينة طنجة، على توسيع آفاق تفكير المجتمع المغربي ، وبالتالي الارتقاء بقدراته الإنسانية وفنه.
لا مجال للشك بان الفنون والثقافات المتنوعة عربية كانت أم امازيغية ومن شتى أنحاء العالم تعد مفتاح التعرف على حضارات الماضي، حيث يُعلمنا فن كل حضارة عن حقبتها التاريخية وما وصلت إليه من تطور وازدهار، وعليه فإن ما يميز مهرجان تويزا كما يقول القائمون عليه ، هو سعة أفقه الذي يتجاوز بإدراكه ومخيلته حدود العالم المحيط به، وبالتالي تجاوز اللوحة النمطية التي يرسمها حدود محاكاة ونسخ الطبيعة.
بين الماضي والحاضر
لم تكن فكرة إنشاء مهرجان ثقافي ببصمة امازيغية وليدة الصدفة لدى القائمين على هذا الملتقى ، بل كانت مسالة إعادة الحديث من جوانب عديدة على التراث الامازيغي والحضارة الامازيغية بما تشكله من بوثقة فنية تصل المغرب بجذوره ، هو الهدف المنشود والذي من خلال تسعى دورات المهرجان بسط كل ما هو ملموس ثقافيا وفنيا وإبداعيا ليكتشفه العالم وزوار المهرجان ناهيك عن المشاركين من دول البحر الأبيض المتوسط ومن دول أخرى في كل دورات هذا الملتقى السنوي .
ثويزا مهرجان ربط الماضي المغربي بكل تلاوينه الفنية بحاضر يسمو نحو البحث عن أفق عالمية ، فاستطاع رسم تلك الصورة الغير تقليدية للعالم بكون المغرب ارض الثقافات بامتياز .
المناخ الأكاديمي
دورة هذه السنة التي أزاحت ستار 11 سنة من التنوع الإبداعي انطلاقا من مدينة البوغاز طنجة ، قصدت مباشرة مسألة التعرف على السبل التي يمكن من خلالها الارتقاء بالموهبة إلى مرتبة الإبداع في الفنون والثقافة ، ندوات ، ولقاءات فكرية وبرمجة واكبت مسارات الإبداع الفني بمختلف تجلياته عبر منصات تصدح منها الموسيقى الناعمة وأخرى تبث رعب الإحساس من منطلق التنوع .
مناخ فكري تجلى في اختيار “الثقافة إكسير الحياة ” كشعار أرادت اللجنة المنظمة من خلاله تسويق كل ما من شانه المساهمة في خلق جواز سفر ثقافي يصل بالجمهور والحضور والمتتبعين لفقرات هذه الدورة إلى كل بقاع العالم، فكانت البداية من مسرحية” طنجيتانوس” التي لامست كل إشكال الحضارة بمدينة البوغاز طنجة عروس الشمال المغربي ، مسرحية أنهكت روح التسامي والعلا الذي ما فتئت مدينة طنجة تعتز به منذ أن تم اكتشافها والى اليوم عبر سرد بلاغي لكل الحضارات التي داومت على الوصول إلى مدينة طنجة .
المناخ الأدبي لم يقف عند مسرحية طنجيتانوس والتي ألفها المسرحي الزبير بن بوشتى وكانت أولى أنشطة دورة هذه السنة من ملتقى ثويزا ، بل منحت الكلمة للمبدعين والمفكرين الذين باغتوا الجميع بالدعوة إلى جعل الثقافة تلك السفيرة الحسنة للمغرب في كل دول العالم ، المنطق الأكاديمي في ندوة الأمس بطنجة ، لم يقف عند ملامسة واقع الثقافة الامازيغية فقط، وإنما تحدث من خلاله الأستاذة علي الإدريسي من كندا ، وسعيد الصديقي من جامعة العين الإماراتية وخالد أمين إلى جانب مسير الندوة إدريس القري عن مفهوم جديد للثقافة المغربية والتي تشكل بالفعل إكسير الحياة الدبلوماسية المغربية والعربية في شتى المجالات .
الحاضرون في أولى ندوات مهرجان تويزا لهذا العام ، تبينوا واقعا آخر لما يمكن أن تلعبه الثقافة كجسر للسلام بين الأمم ، لم يتحدثوا قط عن تلك الأساليب التي من خلالها سمت الثقافة المغربية والعربية وإنما واجهوا الجمهور الحاضر بأدلة استنبطت في محاور النقاش لتشكل الطريق السيار الذي يعبد للثقافة المغربية والعربية عامة وجها آخر من الدبلوماسية الناعمة من مختلف الجوانب .
ولن تكون للثقافة في مهرجان تويزا حدود النهاية فقد رأت اللجنة المنظمة البحث عن الكاتب محمد شكري بمؤسسته الجديدة ، وكذا نبش ذاكرة الإبداع الفني المغربي والامازيغي على الخصوص ، دون أن تغفل المواهب الفنية التي ارتأت أن تعبر من خلالها نحو أفق إيجاد الخلف المتين للثقافة والفن ، اللجنة المنظمة لن تنسى “حفريات في تاريخ طنجة” كمادة دسمة تستمد من خلالها المجال التاريخي والحضاري للمدينة عبر ندوة يشارك فيها رشيد تفرسيتي والداودي وسيبالوس ورشيد العفاقي .
كما أن العنف سيكون حاضرا بقوة ، وان كان عنفا إبداعيا سيتجلى في ندوة فكرية أخرى توقع أبجدياتها بحضور شكري المبخوت من تونس واحمد عصيد من المغرب ومريم الدمناتي ومصطفى الشكدالي وسوريانا من الجزائر ، هؤلاء سيوجهون مدفعية الثقافة نحو إطفاء غضب الحياة اليومية المتشبعة ببعض من أفكار العنف .
خلف كل لوحة سهرة
من البديهي أن تتحول طنجة في فصل الصيف إلى لوحة رسمت معالمها أعداد من الزوار الذين احتلوا أماكن لهم في كل واجهة من واجهات المدينة،و التي استقطبت الكثير من المصطافين والسياح من داخل المغرب وخارجه ، غير أن هذه اللوحة الجميلة عكست لها “ثويزا” رسما تخترقه فسيفساء السهر والسمر الموسيقي، ففتحت الجنة المنظمة ركناً من
الاستمتاع بما جادت به قريحة عدد من الفنانين المغاربة والعرب والقادمين خلال هذه الدورة من بعض دول العالم .
في اليوم الأول حضر مسلم من المغرب وميلودة من بلجيكا ، كما حضرت فرقة لارومبا من كوبا ، وفي لحظات جميلة استفاقت الجماهير الحاضرة بمنصة المرسى على سمفونية الفنان العربي الكبير مارسيل خليفة ، أنغام ورقصات ستتواصل بعدد من المنصات التي أنشأت لتخلق الفرجة والإمتاع ولتعبر بموسيقاها نحو الأفق الذي من اجله يتجدد لقاء الجمهور كل سنة بمهرجان تويزا .
فضاءات تم من خلالها بعث روع التنوع الفني والموسيقي فكان المنظمون أن فكروا في اختيار الأجود خلال دورة هذا السنة التي من المنتظر أن تزف للقائمين عليه مرور أزيد من 50 ألف من الجمهور من على نشوة الاستمتاع بالثقافة والسهرة والفن الذي سيشكل نسقا متلاحما تصدح عبره كل التلاوين الفنية بكافة المنصات التي أنشأت لهذا الغرض .
الانطباع الذي من شانه أن يخلق بعد نهاية لقاءات هذا الملتقى ما من شك ستكون له بصمة واثر ايجابي على نفسية المبدع المغربي والمفكر، إلى جانب المتلقي وكل من حضر ثلة من برمجة “ثويزا ” هذا العام ، فالبرمجة التي اتسمت بنوع من الكمالية وتجاوزت حدود الفوارق في شقها الفن والأدبي سيكون لها وقع آخر على اللجنة المنظمة وعلى القائمين على مؤسسة هذا اللقاء المتوسطي لكي يعبروا باللقاء إلى أفق الحدود المغربية بمسبار التألق الحضاري المغربي في كل الواجهات انطلاقا من مدينة اسمها طنجة العاليا.