بقلم: البشير الحداد الكبير*
سنبدأ هذا التحليل بمقتطف من الخطاب الملكي السامي في القمة المغربية الخليجية سنة 2016،حيث قال صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده :”فالمغرب حر في قراراته وإختياراته وليس محمية تابعة لأي بلد، وسيظل وفيا بإلتزاماته تجاه شركائه، الذين لا ينبغي أن يروا في ذلك أي مس بمصالحهم”، يأتي تحليلنا هذا بمناسبة الزيارة المرتقبة لوزير خارجية روسيا للمغرب، وبالتالي سنحاول الحديث عن أبعاد هذه الزيارة.
كما هو معلوم أن المغرب في العهد الجديد في ظل القيادة الحكيمة والمتبصرة لجلالة الملك حفظه الله ورعاه قد قام بإعتماد سياسة خارجية جديدة قائمة على تنويع الشراكات والإنفتاح على مختلف دول العالم مع الحفاظ على الشركاء التقليديين.
ولعل خطاب جلالته منذ سنتين كان واضحا بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء المجيدة سنة 2021 حيث أكد جلالته بأن المغرب لن تكون له شراكة تجارية ولا إقتصادية مع أي دولة لا تحترم الوحدة الترابية، إذن كل من أراد الشراكات مع المغرب فعليه إحترام الوحدة الترابية دون أن ننسى الخطاب الملكي السامي بمناسبة ثورة الملك والشعب السنة الماضية حيث أكد جلالة الملك أسماه الله وأعز أمره بأن ملف الصحراء المغربية هو نظارة المغرب للعالم به يقيس صدق العلاقات ونجاعة الشراكات، لقد رأينا بأن المغرب قد توجه نحو شراكات جديدة تهم بالدرجة الأولى “دول بريكس” (البرازيل، الصين، الهند، روسيا).
إن العلاقات المغربية الروسية تعود للقرن 18،مرورا بالإتحاد السوفياتي،إلى روسيا الفدرالية، وقد ظلت هذه العلاقات جيدة،ففي العهد الجديد كانت هناك أول زيارة لجلالة الملك سنة 2002 تلتها زيارة ثانية سنة 2016 توجت بتوقيع 16 إتفاقية، بل أن الأمر لم يتوقف هنا، ففي عهد الحكومة السابقة تم توقيع 11 إتفاقا هم المجالات التالية: التعاون الجمركي والفلاحي والعسكري والدبلوماسي والإداري والتجاري والثقافي والنجاعة الطاقية والطاقات المتجددة والاستعمال السلمي للطاقة النووية.
في سنة 2021 عرف التبادل التجاري تطورا إيجابيا إذ وصل لنسبة 42٪، ورغم الحرب الروسية الأوكرانية فإن العلاقات المغربية الروسية ظلت على طبيعتها، فالمغرب لم يشارك في التصويت ضد روسيا، فقد التزم بمبدأ الحياد، فالمملكة المغربية الشريفة سياستها الخارجية مبنية على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، بل أكثر من ذلك دائما تدعوا إلى تسوية النزاعات الدولية بالطرق السلمية.
إن السياسة الخارجية المغربية مبنية على التوازن والواقعية والشفافية،وهذه السياسة ليست وليدة اللحظة، بل هي قناعة مترسخة في جذور الدولة المغربية، لهذا السبب نجد أن المغرب يحظى بثقة دولية ويعتبر شريك وحليف إستراتيجي موثوق به لكونه يتمتع بالمصداقية.
كما هو معلوم أن هناك تنافس دولي حول إفريقيا بين القوى العالمية (الصين، روسيا، الإتحاد الأوروبي ، الولايات المتحدة الأمريكية) وبالتالي فالمغرب يتمتع بموقع إستراتيجي بإعتباره بوابة إفريقيا، ويعتبر قوة إقليمية، إذن يبقى السؤال الرئيسي ما هي الثمار التي سيجنيها المغرب من هذه العلاقات مع روسيا؟
تتجلى هذه الثمار من خلال ما يلي:
* في المجال الفلاحي، سيتم تعزيز هذا التعاون من أجل ضمان الأمن الغذائي أكثر فأكثر، خصوصا نجد أن العالم بأسره يعاني من هذه الأزمة، لاسيما بعد الحرب الروسية الأوكرانية، وتجدر الإشارة أن المؤسسة الملكية تتمتع بعبقرية في تدبير الأزمات،حيث إذا عدنا للخطاب الملكي السامي بمناسبة افتتاح البرلمان سنة 2021 كان جلالته حفظه الله ورعاه دعا الحكومة لإحداث مخزون إستراتيجي يهم المجال الغذائي، الصحي، والطاقي،هنا تظهر لنا عبقرية المؤسسة الملكية في إعتمادها على التخطيط الإستراتيجي؛
* الإستثمارات الأجنبية المباشرة،كما هو معلوم أن المغرب قام بتوفير إطار مؤسساتي(المراكز الجهوية للاستثمار نموذجا) وقانوني محفز للإستثمار، آخره هو القانون الإطار 03.22 بمثابة ميثاق الإستثمار الذي صادق عليه البرلمان، وبالتالي سيفتح المجال أكثر فأكثر للشركات الروسية للإستثمار بالمغرب؛
* السياحة، سيعرف المغرب زيارة كثيفة لسائحين روسيين؛
* الإستثمار في مجال الطاقات المتجددة، وفي مجال التنقيب عن الغاز والمعادن والإستعمال السلمي للطاقة النووية بهدف توليد الطاقة الكهربائية لتغطية إحتياجات المغرب من الكهرباء؛
* ارتفاع حجم التبادل التجاري في السنوات المقبلة ؛
* التعاون العلمي والثقافي؛
* تكثيف التنسيق الأمني لاسيما في مجال محاربة الإرهاب، فالمغرب يحظى بتنويه دولي في هذا المجال ويعتبر نموذجا يحتذى به في محاربة الإرهاب والتطرف، ولعل القمة العربية التي تم عقدها بالجزائر السنة الماضية أوصت بالإستفادة من هذا النموذج الأمني المغربي.
وفي الختام إن الشراكات المغربية الروسية ستحقق العديد من المكاسب في مختلف المجالات، وبالتالي نلاحظ أن الديبلوماسية المغربية الناعمة تتميز بالعمل الجاد والفعالية والنجاعة، كل هذا بفضل القيادة الرشيدة لجلالة الملك نصره الله وأيده،فالمغرب كما لاحظنا أنه نوع من شراكاته، ولم يعد يقتصر فقط على شركائه التقليديين، وهذا يأتي تماشيا مع ديباجة دستور 2011 التي أسست لسياسة خارجية جديدة.
*باحث بسلك الدكتوراة بكلية الحقوق بطنجة