عندما أصدرت الفيفا تقريرها بشأن مدينة طنجة ضمن ملف استضافة المغرب لمونديال 2030، لم يكن الأمر مجرد تقييم رياضي عابر، بل بدا وكأنه بيان شديد اللهجة صادر عن حزب معارض.
فكيف لمنظمة رياضية دولية أن تتحول، بين ليلة وضحاها، إلى مرآة تعكس الواقع التنموي المختل؟ وهل جاء التقرير ليكشف نقاط الضعف أم ليمارس دورًا سياسيًا غير معلن؟
وتلقت طنجة، المدينة التي يُسوَّق لها كـ”عروس الشمال” وواجهة المغرب الحديث في تقرير الفيفا صفعات متتالية.
وبدا منح طنجة تقييمات متدنية في النقل (2.6/5) والإقامة (2.2/5) أشبه بحكم قاسٍ على طموحاتها المتزايدة.
وكان يُفترض أن تُصنَّف طنجة، التي تضم مشاريع كبرى مثل ميناء طنجة المتوسط ومنطقة التجارة الحرة، كرمز للتحديث.
لكن يبدو أن الفيفا قررت ألا تكتفي بالصورة اللامعة وذهبت للتفتيش في تفاصيل البنية التحتية، فوجدت عجزًا صارخًا يعكس غياب التخطيط المتوازن.
وليست أوجه القصور التي أبرزها التقرير – من توسع عمراني عشوائي في مناطق مثل بوخالف والزياتن إلى الضغط الهائل على شبكات النقل والخدمات الأساسية – جديدة على سكان المدينة. لكنها بدت كأنها انتقادات خرجت من قاعة برلمان أو اجتماع للمجلس الجماعي.
فهل قررت الفيفا أن تصبح صوت المواطن العادي الذي يشعر بأن طموحات مدينته ليست سوى مشاريع إعلامية كبرى تغطيها أزمات يومية؟
ربما علينا أن نُقر بأن تقرير الفيفا كان “المعارضة الأكثر وضوحًا” التي شهدتها طنجة مؤخرًا. هذه المعارضة، بالطبع، لم تأتِ بدافع سياسي بل بسبب المعايير الدولية التي لا تُجامل.
لكن المفارقة أن الانتقادات جاءت من منظمة دولية لا تعرف عن طنجة سوى الملاعب والفنادق، بينما تغيب هذه الحقائق عن خطابات المسؤولين الذين اعتادوا تقديم صورة مثالية عن المدينة.
قد يكون التقرير فرصة لإعادة التفكير. طنجة لا تحتاج إلى مشاريع عملاقة فقط، بل تحتاج إلى تخطيط متوازن يجعل من تلك المشاريع وسيلة لتحسين حياة السكان والزوار على حد سواء.
وإذا كانت الفيفا قد لعبت دور المعارضة في هذه المرة، فإن المسؤولية الآن تقع على عاتق من يديرون المدينة لتحويل هذا النقد إلى فرصة للتغيير الحقيقي، بعيدًا عن التصفيق والوعود الجوفاء.